مقالات و دراسات

يوم الأرض في الأدب الشعبي الفلسطيني

عابد الزريعي

” قال : الأرض بتفرق ع شبر
قالوا : وآنت الصادق ع ظفر “
مثل شعبي فلسطيني
جاء يوم الأرض في الثلاثين من مارس 1976 , كتتويج لمسار نضالي ، بدأت ملامحه في التشكل بعد هزيمة 1948 . حيث وجدت الجماهير الفلسطينية ، التي لم تغادر وطنها , نفسها وبشكل مباشر في أتون معركتين ضاريتين ، الأولى هي معركة الأرض وحمايتها من المصادرة , والثانية هي معركة الإنسان , وحمايته من الاستلاب ومحو هويته الوطنية , وكانت تدرك أنها في سياق معركتها في الدفاع عن الأرض , تبلور شخصيتها الوطنية وتحميها من الاستلاب .
وخلال هذا المسار كان الأدب الشعبي , في قلب المعركة , وكان المبدعون الشعبيون هم الناطقون الرسميون باسم الجماهير المناضلة ، والمعبرين بصدق وأمانة , عن صمود الإنسان وتصديه لسياسة مصادرة الأرض ، التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية ، في محاولة منها لاستغلال تداعيات الهزيمة على عقل ووجدان الإنسان , الذي لم يكن أمامه آلا آن يقبض على كل حفنة من التراب , يتنسم رائحتها الزكية ، ويرص الكتف آلي الكتف دفاعا عنها وحماية لها :
وفتحنا لابواب الفن غالين // وقلوبنا من مزيد الشوق غالين
كروم الناصرة عالكل غالين // وأغلى من شي اسمو الذهب
بلاد العز لاتقولوا نسي لها // اباترنا بايدينا نسلها
يارب بلادنا يكثر نسلها // ولكل شجرة زيتون اربع صحاب
وتسجل الاهزوجة الشعبية صمود الجماهير في وجه رصاص العدو في ايار 1958 ، وهي تتصدى لسياسة مصادرة الارض ، مستمدة العزم من ايمانها وتمسكها بحقوقها الوطنية ، ومن وعيها بانتمائها القومي ، الذي جسدته جماهير بورسعيد بصمودها في عدوان 1956 :
والناصرة ركن الجليل // فيك البوليس مدحولي
ارض العروبة تحررت // دايان شيل وارحل
اخواننا في بورسعيد // الهم تاريخ مسجلي
لو وقعت سابع سما // عن ارضنا مابنرحل
كما يسجل الأدب الشعبي بطولة الجماهير التي انتصرت على قرار موسي ديان بمصادرة الاف الدونمات من الأرض العربية في نحف والنبعة ودير الاسد بمنطقة شاغور بشمال فلسطين :
نادى المنادي في الجليل // ارض العروبة للعرب
شاغور مالك مثيل // وترابك اغلى من الذهب
وبوحدة رجال الشاغور // امر المصادرة انشطب
ديان امرك مستحيل // بالوحدة راح ينشطب
كما كان الأدب الشعبي هو المعبر عن حالة التواصل والتفاعل النضالي , بين الجماهير الفلسطينية في الضفة والقطاع واراضي 1948 , بعد هزيمة حزيران 1967 , فقد عكس هذه المسألة بعمق شديد ، في كثير من الأغاني والأهازيج ، التي ترسم صورة حية وقادة للنضال الجماهيري داخل الوطن المحتل , وتعبر عن توق الإنسان الفلسطيني للحرية ، ونضاله من اجل كنس الاحتلال :
مهما طول عتم الليل // بتجليه شمس الحرية
مهما طال الليل وطال // وغطى سواده ع الاطلال
عنا في الوطن ابطال :: بتعيد شمس الحرية
وهي صورة مشهدية , تمتاز باتساعها وغنى عناصر الفعل المكونة لها والتي تمنحها الحيوية والحركة , وينبني هذا الاتساع على الإيمان الواعي , بوحدة النضال الجماهيري داخل الأرض المحتلة، عام 1967 ، أوتلك التي احتلت بعد هزيمة 1948 ، خاصة وان سياسة مصادرة الأرض ، قد امتدت وتواصلت ، في كل الأرض المحتلة , تقول الأغنية :
هبت ارباب الاعلام
تحيي الجرأة والاقدام
شعب الضفة ثار وقام
من غزة حتى اليامون
هبت كل الملايين
تحيا نابلس وجنين
غزة ومعاها برقين //
وحيفا وعكا وعفوله
ويافا النا واللطرون
ويرسم الأدب الشعبي صورة لنضال الجماهير الفلسطينية ، التي تواصل تصديها , لمحاولات العدو قمع حركتهم النضالية بالاعتقال ومنع التجول ، فيقول الشاعر على لسان الجماهير :
– مش ممكن ندخل ملجا // لابالسيله ولا بعجه
ومن الطيرة ومن برقا // بساحات الميادينا
– على ارض الضفة في شعب يناضل // من اجل الحرية اوقد مشاعل
في الجليل الغالي , وغزه ع الساحل //
وانت يافلاح وانت ياعامل // اطرد من ارضك جيش الصهيونا
آن الأدب الشعبي لا يكتفي برسم صورة الحركة الجماهيرية الناهضة ضد الاحتلال ، ولكنه يتجاوز آلي تبريرها ، وصياغة مصداقيتها ، المستندة آلي الوعي ، بجوهر العدو الصهيوني ، المتمثل في الاقتلاع والاستيطان , تقول الاغنية :
ميجنا ياميجنا ياميجنا
يابا الدهر دولابو دار بي
وبصيح وفش عادل داربي
يابا الحرامي صار ساكن دار بي
وعم يسميني مخرب ابواب
آن احتلال الارض / الحرامي / وغياب العدل / فش عادل / بقدر مايبرر حق صاحب البيت في النضال من اجل استعادته ، فانه يفند في ذات الوقت كل محاولة لوسم هذا النضال بالتخريب ، ويضعه في موقعه الصحيح ، الذي يجب آن يكون في مواجهة الاحتلال / الذين طردوا وسكنوا / حتى استعادة ارض الجدود كما يقول النص :
مكرس حياتي جاي حرر الاوطان // من اللي طردني من دياري وسكن فيها
ارض الجدود من قديم الزمان // بدمي وبدم اولادي بفديها
وفي هذا المسار النضالي ، المقاوم لسياسة الاحتلال ، القائمة على الاقتلاع ، ومصادرة الأراضي ، من اجل بناء المستوطنات ، وتحويل المزارعين الفلسطينيين آلي عمال من الدرجة الثانية في الاقتصاد الإسرائيلي, انفجرت انتفاضة يوم الأرض ، في الأراضي المحتلة عام 1948 , ليمتد لهيبها آلي الضفة والقطاع , ويتجاوب معها الشعب الفلسطيني في مختلف بلدان الشتات .
وقد تميزت صورة انتفاضة يوم الأرض ، في الأدب الشعبي ، بعناصرها / الأرض والدم والشجر والخيل والفرسان / التي تكشف عن إرادة الشعب الفلسطيني الوهاجة ، وتصميمه على حماية كل شبر من ارضه , تقول الاغنية :
لاجل الزيتونة والتوت // واشجار الماندلينا
بدنا نحارب حتى نموت // او ترجع فلسطينا
وترسم الأغنية الشعبية المشهد الكامل ليوم الأرض ، حيث يتوحد الإنسان بالوطن ، وتتلون الأرض بالأحمر القاني ، وتردد أغاني الشعب :
يا طلت خيلنا من قاع وادي // يا طلت خيلنا من قاع وادي
عوايد رجالنا تكيد الاعادي // عوايد رجالنا تكيد الاعادي
ياطلت خيلنا من دير حنا // يومك يارض والشعب غنى
ياطبت خيلنا من كفر كنا // يومك يارض والدم غنى
ياطلت خيلنا من مجد الكروم // دمك شبابنا ع الارض بيعوم
ياطلت خيلنا من صوب عرابه // لاجلك يابلادنا ضحوا الشباب
ياطلت خيلنا من تل سخنين // يومك يارضنا نحنا شاهدين
ياطبت خيلنا من فوق الرامه // تسلم ياشعبنا يابو الكرامه
ياطلت خيلنا من ارض البعنه // بغني ع بلادنا والجمع سامعني
ياطلت خيلنا من ابو سنان // حبك يابلادي مكتوب ع لساني
ويستمر المبدع الشعبي في رسم صورة الفرسان ، القادمين آلي معركة الأرض من كل القرى والمدن الفلسطينية , ليجسد بعملية تسجيل أسمائها في اللغة ، شكلا آخر من أشكال النضال , ضد عملية المصادرة والاستلاب .
وتكثف الأغنية الخيار الوطني ، الذي خرجت الجماهير به من المعركة ، وهي اكثر ثقة بقدراتها , بعد آن جعلت من يوم الأرض مناسبة تاريخية تشهد على عزمها وتصميمها علىمواصة النضال حتى نيل جميع حقوقها الوطنية :
– نحنا بشعب بلادي بنتغنى // ليوم الارض لصيتو رنه
تحيا عنابه ودير حنا // كانوا فوارس كانوا يموتونا
– لو ماعنا غير القوت // ابنصمد في اراضينا
وبدنا نجاهد حتى نموت// لاخر واحد فين

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق