مقالات و دراسات

الذكرى المئوية لتأسيس الحركة العمالية الفلسطينية

الاستاذ محمد بدران – نقابي فلسطيني

تعتبر الحركة العمالية الفلسطينية من أقدم الحركات النقابية العمالية في الوطن العربي من حيث النشأة والتكوين وما انتابها من معاناة وقمع واضطهاد واعتقال وإرهاب على يد الانتداب البريطاني لفلسطين وما تبع ذلك من سوء المعاملة واستغلال جهود العمال وانتهاك حقوقهم النقابية والاجتماعية في الأراضي المحتلة على يد السلطات الإسرائيلية كما أن هذه الحركة من ضمن مبادئها التمسك بالوحدة العربية وبناء الاشتراكية وتحقيق تطلعات الجماهير لنيل حريتها واستقلالها.
وبالعودة إلى مرحلة تأسيسها التقى مجموعة من عمال فلسطين والعمال العرب الوافدين للعمل في ورش الجيش البريطاني في فلسطين من سوريا، ولبنان، ومصر، والأردن وبالأخص العمل في خطوط السكك الحديدية التي كانت تربط فلسطين بالأقطار المجاورة وقاعدتها مدينة حينفا واتفق أولئك على تشكيل وتأسيس تنظيم عمالي باسم جمعية الأخوة العمالية العربية الفلسطينية واتخذوا لها مقرا في نادي سكة حديد حيفا عام 1921 وذلك استنادا إلى قانون الجمعيات الذي كان معمول به في فلسطين منذ عهد الدولة العثمانية، وقد اختار العمال للجمعية رئيسا لها الأخ عبد الحميد حيمور وهو عامل سوري من ريف دمشق وكان هدف الجمعية مساعدة العمال وحل مشاكلهم والدفاع عن حقوقهم، وقد توسع نشاطها فيما بعد وتقدمت بطلب لحكومة الانتداب عام 1923 لمنحها الصفة الرسمية ولم تحصل على ذلك إلا عام 1925 نتيجة مماطلة حكومة الانتداب وضغط من اتحاد عمال الصهاينة (الهستدروت) الذي تشكل عام 1919 والذي كان يوهم الاتحادات العمالية العالمية أنه الوحيد الذي يمثل عمال فلسطين، وقد شكلت الجمعية فروعا لها في كافة المحافظات الفلسطينية وعقدت مؤتمراتها في الأعوام 1933، 1946، 1947، وانتخبت سامي طه أمينا عاما للحركة العمالية الفلسطينية، ولقد واجهت الحركة العمالية الفلسطينية منذ نشأتها مخططات حكومة الانتداب البريطاني المنحازة إلى المشروع الصهيوني في فلسطين والتي فتحت باب الهجرة اليهودية على مصراعيه القادمين إلى فلسطين المهيئين سكريا لتنفيذ مشروعهم الاستيطاني في فلسطين، لذا خاضت الحركة العمالية مواجهات واضرابات وانتفاضات وثورات عديدة لوضع حد لهذه المؤامرة على وطنهم، وقدموا سيلا من الدماء والشهداء والتضحيات وخاضوا أطول اضراب في التاريخ الذي استمر ستة أشهر كاملة عام 1936 احتجاجا على سياسة الانتداب المتحيزة للصهاينة ومن أجل وقف الهجرة اليهودية وعمليات التقسيم المجحفة وانصافا لحقوقهم في الوظائف والأجور إذ كان العامل اليهودي يتقاضى 3 أضعاف الأجر العامل الفلسطيني والوظائف الهامة كانت تمنح لهم من السلطات المنتدبة، وعندما أصبحت الحركة العمالية الفلسطينية تخيف الأعداء والخصوم لما لها من قوة ومصداقية في المواقف المبدئية من أجل الحرية والاستقلال امتدت يد الغدر فاغتال سامي طه عام 1947 حينما كان عائدا من زيارة صديق له مريضا. إن الحركة العمالية الفلسطينية عمقت مفاهيم النضال من خلال معاناتها واضطهادها سواء من خلال الانتداب البريطاني أو الاحتلال الصهيوني للأراضي المحتلة وأدركت أنها عامل هام لوحدة العمال العرب منذ نشأتها حيث ساهمت في تأسيس الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب عام 1956، وبرهنت أنها شريكة في نضال الطبقة العمالية العالمية ضد الامبريالية والاستعمار والرأسمالية والاقطاع ومخاطر العولمة واقتصاد السوق، ولقد ساهمت في تأسيس اتحاد النقابات العالمي عام 1945، وهي من أهم ركائز الحركة العمالية العربية، إن عمال فلسطين وهم يعيشون اليوم هذه الذكرى يرفعون التحية والتقدير والرحمة لشهداء الحركة العمالية القادة الذين رفعوا صرع هذه الحركة كما يرفعون كل تقدير لشهداء الحركة العمالية العربية الذين سقطوا دفاعا عن القضية الفلسطينية وعن حقوق عمالهم وتحرير أوطانهم من الاستعمار والاستعباد والاستغلال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق