مقالات و دراسات

السلاح اليمني وكسر دائرة حرب الإبادة

عابد الزريعي – مدير مركز دراسات أرض فلسطين للتنمية والانتماء

مقدمة: ملاحظات اولية
سبعة سنوات مضت على بداية الحرب العدوانية التي شنها ما يسمى بالتحالف الدولي بقيادة السعودية على اليمن بتاريخ 25 مارس (آذار) 2015. وقد ثبت خلال تلك السنوات ان مهلة الثلاثة أشهر التي حددها الناطق العسكري السعودي للانتهاء من الحرب بما تشتهي المملكة، لم تكن الا احلام تحولت الى كوابيس ثقيلة. كما حفلت تلك السنوات بمشاهد عديدة، من بينها مشهدان يتعلقان بموضوع المقال، أولهما المشهد المتكرر للمقاتل اليمني بملابسه التقليدية الداكنة كجبال ارض اليمن، وقد بانت أصابع قدميه من ثقوب حذائه الممزق، وهو يستل ولاعة تقليدية من تحت حزامه ويشعل النار في الدبابات والمدرعات السعودية والاماراتية التي تعد من فخر الصناعة العسكرية الامريكية. وثانيهما مشهد إطلاق طائرات درونز بشكل احترافي غير مسبوق الذي بثه الاعلام الحربي اليمني منذ قرابة شهر. وترجع أهمية المشهدين الى ارتباطهما العميق بالسؤال الدائم حول نوعية السلاح الذي بات بيد المقاتلين، اليمنيين. وكيف يتدبر الشعب اليمني ما يذود به عن حماه.؟ لاسيما وان التشكيك قد تواصل وتتالى حول قدرته على صناعة وابتكار أي شيء يتجاوز ن الجنبية التي يتمنطق بها ابناءه. هنا لابد من تسجيل ملاحظتين ضابطتين لما سيرد في المقال. أولها ان العقل الهندسي اليمني الذي بنى تلك الصروح على اكتاف الجبال، لن تعوزه القدرة عن إيجاد الأداة التي يحمي بها ما بنى. وثانيها ان القدرة على الحصول على السلاح وتوفيره في زمن الحصار وبأي طريقة كانت، تمثل بحد ذاتها سلاحا يتجاوز في تقنيته وتأثيره عديد الأسلحة المادية التي نعرفها.
أولا: تطوير السلاح وطبيعة الحرب
ان الحديث عن الأسلحة اليمنية ونوعيتها وتطورها، لا ينفصل بأية حال عن طبيعة الحرب التي شُنت على اليمن، والتي اخذت مسار القصف الجوي التدميري للبنية التحتية بكل ما فيها من حجر وبشر من ناحية، وتجنب قوى العدو الالتحام المباشر من ناحية ثانية، بهدف ارهاق الطرف اليمني ودفعه الى الاستسلام. الامر الذي يجعل من الصمود باللحم الحي مسألة ومرحلة أساسية، يبنى عليها الانتقال الى مرحلة ثانية تتمثل في نقل المعركة الى ارض العدو كمسار طبيعي في تطور الحرب. الجانب الأول يعتمد على الصبر والإرادة والشجاعة وهو أحد الدروس التي قدمها اليمنيون وتتعلق بالمشهد الأول الذي أشرنا اليه. والثاني يعتمد على توفير التقنية الراقية بالأساس، التي تسمح بالوصول الى عمق العدو الذي يتجنب الاشتباك المباشر معتمدا على بُعد ذلك العمق عن ارض المعركة وهذا يتعلق بالمشهد الثاني. وفي هذا السياق كان المتحدث العسكري باسم الحكومة اليمنية قد كشف ولأكثر من مرة عن أسلحة جديدة دخلت، او على وشك دخول ساحة المواجهة، وذلك في إطار استراتيجية “توازن الردع”ـ والتي تعني في جوهرها الدخول في مرحلة كسر حلقة صيغة الحرب التي ارادتها قوى التحالف، وذلك بنقل المعركة الى داخل أراضيها.” وهو الامر الذي تبدى في تهديد السيد عبد الملك الحوثي في أواخر أبريل/ نيسان 2019، بقصف مواقع حيوية في السعودية والإمارات. واشارته الى أن صواريخ اليمن باتت قادرة على استهداف الرياض، وما بعد الرياض وقادرة على الوصول إلى دبي وأبو ظبي. وكذلك في الاعلانين المتواليين، للناطق العسكري خلال شهر مارس 2021، اللذين أكد فيهما عن امتلاك قدرات تسليحية نوعية، الأمر الذي يدعم اعلان السيد عبد الملك ويؤكد مصداقيته. وهنا يطرح السؤال الأولي عن نوعية هذه القدرات التي أصر اليمنيون وثابروا من اجل ان تكون بين أيديهم، وضمن ترسانتهم الحربية.
ثانيا: ترسانة السلاح اليمني
تتمثل هذه القدرات والأسلحة التي كشف عنها أنصار الله في اليمن وأكدتها عديد التقارير في ثلاثة مجموعات رئيسة هي:
1 ــ البنادق والقناصات: حيث تم الكشف من قبل دائرة التصنيع العسكري عن تصنيع وتطوير ثمانية أسلحة قنص، هي: بندقية صارم، وقاصم، وخاطف، وأشتر، وحاسم، وذو الفقار 1و2، وسرمد. وهي ذات مدايات تتراوح بين 1250 الى 4000 متر. وتستخدم كمضادات للأفراد والاليات والدروع والتحصينات، وفي الدفاع الجوي المنخفض.
2 ــ الصواريخ الباليستية: وتمثلت في صواريخ قصيرة، ومتوسطة، وبعيدة المدى. ومن بينها صاروخ الصرخة وتوتشكا والنجم الثاقب، وزلزال 1، زلزال 2. وقاهر ام 2، وصمود، وبدر 1. وسعير وقاصم 2، وقدس 2 المجنح، وبركان اتش 1. وهي صواريخ مختلفة الاوزان والقدرات التدميرية والمدى الذي يتراوح بين 15 كلم الى 1200 كلم. هذا إضافة الى صاروخ المندب 1 المضاد للسفن، والمزود بتقنية عالية تمنع السفن العسكرية من فك شفراته.
3 ــ طائرات بدون طيار: وقد أُزيح الستار في أواخر فبراير (شباط) 2017، عن أربع طائرات من دون طيار، إضافة الى نماذج أخرى ظهرت تباعا. ومنها راصد، وهدهد1 ورقيب، وقاصف1، وصماد 4، ورجوم، ووعد. وتتراوح مدة التحليق لهذه الطائرات بين 90 ــ 120 دقيقة. ويصل مدى طيرانها من 35 كلم الى 2000 كلم. وتقوم بمهام عدة قتالية واستطلاعية، كما تقوم بأعمال المسح والتقييم وأعمال الإنذار المبكر، وتحديد أماكن تجمع العدو، وإرسال الإحداثيات للوحدة الصاروخية والقوة المدفعية وقوة الإسناد والتقييم.
وإذا كانت البنادق والقناصات وغيرها من الأسلحة الشبيهة قد لعبت دورا حاسما في الصمود على الأرض اليمنية، فقد لعبت الطائرات المسيرة ومعها الصواريخ بعيدة المدى دورا حاسما في ضرب عمق السعودية والامارات ردا على جرائمهما بحق الشعب اليمني.
ثالثا: مصادر السلاح اليمني
قدمت إجابات عديدة حول مصادر الأسلحة اليمنية، بعض منها بُني على قاعدة الشك والتشكيك في قدرة اليمنيين على تصنيع وتطوير السلاح، وذلك في محاولة لاتهام أطراف خارجية ـــ إيران تحديدا ـــ بالضلوع في الحرب الى جانب اليمنيين، وهو الامر الذي تسعى قوى التحالف بقيادة السعودية الى تأكيده واثباته بأية طريقة كانت، وذلك في سياق اذكاء نار الفتنة الطائفية في المنطقة. وقبل الغوص في تحديد الخطوط العامة لمصادر تلك الأسلحة، لابد من تثبيت ثلاثة ملاحظات هي:
1 ــ ان القاعدة العلمية لتصنيع اغلب الأسلحة، لم تعد حكرا على أحد، فهي قاعدة عامة ومعروفة في التصنيع العسكري، وعلى أرضية هذه القواعد تختلف مستويات التطور والتقدم.
2 ــ ان إعادة بناء وتطوير أسلحة موجودة ومستخدمة، مسألة تلجأ اليها كل الجيوش سواء كانت هذه الأسلحة ضمن مخزونها او حصلت عليها من مخزون غيرها.
3 ــ ان توفير السلاح من مصادر خارجية ليس عيبا ولا سبة، خاصة في اللحظات الحرجة التي تواجهها الشعوب.
وارتباطا بهذه النقاط يمكن ان يكون الحديث عن مصادر الأسلحة اليمنية أكثر دقة وموضوعية. وتتمثل هذه المصادر في مصدرين داخلي وخارجي هما:
1 ـــ المصدر الداخلي: ويتمثل في مخزون الجيش اليمني من أسلحة سوفيتية وصواريخ كورية شمالية. وفي هذا السياق تشير عديد التقارير الى ان “90 بالمئة من تسليح هو من مخزون الجيش اليمني الذي بات تحت سيطرة أنصار الله عند السيطرة على صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014. كما باتت غنائم الحرب مصدرا داخليا للتسليح، ويبدو ان ما يقوم المقاتلون اليمنيون بحرقة امام الكاميرات ليس الا رأس الجبل من الأسلحة المستولى عليها من قوى العدوان. وقد أعلنت واشنطن اعتزامها إرسال محققين إلى كلٍّ من السعودية وحليفتها في حرب اليمن الإمارات، من أجل التحقيق في كيفية وصول أسلحة أمريكية إلى المقاتلين الحوثيين في اليمن. هذا وقد تم اجراء التعديل والتطوير اللازم على تلك الأسلحة للتوافق وطبيعة الحرب المفروضة. وكذلك التصنيع الذي يرافق عملية التعديل والتطوير الجارية. بالاعتماد على قدرات الشباب اليمني الذين درسوا الهندسة في كل جامعات العالم على مدى سنوات. كما تلقى بعضهم دورات تدريبية في إيران وروسيا، بشكل مباشر او غير مباشر.
2 ـــ المصدر الخارجي: تشير التقارير الصادرة الى ان إيران تقف على رأس مزودي أنصار الله بالسلاح، كما تشير أيضا الى كوريا الشمالية وروسيا الاتحادية والصين وبلغاريا، وبيلاروسيا. الامر الذي نفته إيران والاتحاد الروسي الاتهام الذي وجه اليه وكذلك بلغاريا وبيلاروسيا بينما رفضت الصين التعليق على الموضوع. كذلك يتم الحديث عن ان أنصار الله يحصلون على المكونات الحاسمة لأنظمة أسلحتهم من شركات في أوروبا وآسيا، باستخدام شبكة معقدة من الوسطاء لإخفاء سلسلة الحيازة. كما كشفت الاتهامات الى تناقضات دول التحالف، فالسعوديون يتهمون دولة الإمارات العربية المتحدة، بتهرب الطائرات المسيَّرة إلى الحوثيين. لاستهداف المملكة. ويتحدثون عن اتصال بين الحوثيين والمجلس الانتقالي برعاية إيرانية. ووجود خط إمداد لتهريب الأسلحة إلى الحوثيين من جنوبي اليمن. ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا هو: كيف تهرب الأسلحة من إيران او غيرها، مع سيطرة التحالف على المنافذ الجوية والبحرية والبرية لليمن.؟ وفي سياقات الإجابات التي قد تتعدد على هذا السؤال يبرز المصدر الداخلي كمصدر رئيس لتوفير السلاح للشعب اليمني.
خاتمة:
لقد استطاعت القوات المسلحة اليمنية بجناحيها أنصار الله واللجان الشعبية من جهة والجيش من جهة ثانية، التكيف مع وقائع الحرب الضروس، وبالاعتماد على قدرات أبناء اليمن وطاقتهم اللامحدودة على الصبر، من ان تتملك السلاح الذي مكنها من تعديل دفة المعركة الى صالحها. ونقل ثقلها الى ارض الدول القائمة بالعدوان. وفي هذا السياق قال تقرير صادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (بواشنطن إن هجمات “الحوثيين” شهدت ارتفاعا ملحوظا منذ مطلع عام 2021. وأوضح التقرير، أنه “خلال الأشهر التسعة الأولى (من عام 2021) بلغ متوسط الهجمات على السعودية 78 هجوما شهريا، مقابل 38 هجمة خلال الفترة نفسها من عام 2020”.. اما الجانب الاخر المتعلق بموضوعة السلاح اليمني هو انعكاسه على الصراع الرئيسي في المنطقة، الامر الذي تبدى من القلق الإسرائيلي، وهذا يحتاج الى معالجة قائمة بذاتها.
مكتبة المقال
الحرة: 20مارس 2021 ــ كيف وصلت صواريخ كوريا الشمالية إلى الحوثيين؟
https://www.alhurra.com
الخليج أونلاين: 2/2/2020 ـــ كيف حصل الحوثيون على أسلحة حديثة رغم الحصار على اليمن؟
المصدر: 9 يناير 2022 ـــ تقرير أممي يكشف تفاصيل مهمة حول تطور قدرات الحوثيين العسكرية وشبكات التهريب المعقدة. almasdaronline.com
وكالة الصحافة الفرنسية: 2ديسمبر 2018 ـــ ما هي القدرات القتالية لدى المتمردين الحوثيين في اليمن؟
www.swissinfo.ch/ara
أنور النسي: 23 مارس 2017 ـــ اليمن: ما خطورة صواريخ الحوثيين وقوات صالح وما هو مصدرها؟
middleeast-39368181
عزيز الاحمدي: 21 يناير 2022 ـــ استهداف أبو ظبي.. نقطة تحول في مسار الحرب اليمنية (تقرير)
https://www.aa.com.tr
فريق عمل ساسة بوست: 28 /8/ 2018 ـــ بعيدًا عن المبالغات.. ما هي الأسلحة التي يمتلكها الحوثيون؟ www.sasapost.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق