الشهيد القائد صبحي ياسين كما عرفته
الاستاذ محمد بدران
في عام 1936 حينما كنت طالبا في جامعة القاهرة أتصل بي صبحي ياسين وعرض عليّ تأسيس تنظيما فلسطينا فدائيا بصورة سرية على نهج الشهيد عزالدين القسام باعتبار أنه كان أحد المجاهدين الذين ناضل معه في ثورة فلسطين عام 1936، وقد شرح لي أهداف التنظيم والتركيز على طلبة فلسطين الذين يدرسون في مصر، ليوكل إليهم عند عودتهم في العطل الصيفية أو عند انتهاء دراستهم تأسيس نواة عمل فدائي في البلدان التي يعيشون فوق اراضيها بصورة سرية، وقال رحمه الله: لقد وقع اختياري عليك لتكون من مؤسسي هذا التنظيم وتتولى مسؤوليته في الساحة اللبنانية وسأعطيك اسماء أخوة مجاهدين من زمن القسام يعيشون في لبنان ليكونوا ضمن التنظيم وأعطاني أسماءهم وهم الأخوة ــ إسماعيل البابا، علي العدوي، محمد السبع موجودين في صيدا وقاسم أبو الهيجا في الغازية وقد وافقت على ذلك وفي جلسة ثانية أطلعني على مسودة مشروع النظام الداخلي وخطة العمل فعدلنا بعض الفقرات، واستمرت الاتصالات والاجتماعات بصورة سرية مع كافة الأعضاء لفترة امتدت نحوى سنة. وفي 1964 بدأنا نجتمع بصورة أوسع وبشكل منظم في مكتب مكافحة الصهيونية في شارع فؤاد في القاهرة، واعتمدنا النظام الداخلي وخطة العمل وأشهرنا التنظيم باسم(منظمة طلائع الفداء) وقد باشرنا العمل وأصدرنا البيانات والتعاميم، ومن رموز التنظيم المؤسسة منهم ـ فؤاد ياسين، عبد المجيد عامر، عبدالله الكسواني، خضر حاطوم، رأفت شاهين، فوزي ماضي(أبو هتلر) غسان الريس، وقد تشكلت لجنة مركزية للتنظيم من الاخوة ـ صبحي ياسين وفؤاد ياسين(القاهرة) محمد بدران (لبنان) أبو ابراهيم الكبير خليل عيسى وعادل زواته(الأردن) عبدالله الكسواني (الضفة الغربية) حسين الخطيب وغسان الريس (قطاع غزة) فوزي القطب (سوريا)نظمي عابدين أبوسمير (العراق) وقد اختير صبحي ياسين رئيسا للجنة المركزية للتنظيم ومحمد بدران مفوضا سياسيا وأوكل للأخ عارف خطاب قيادة الجناح العسكري للتنظيم الذي أطلق عليه (فرقة خالد بن الوليد) كما أذكر أن الأخوين يحي رباح وعارف خطاب قد انضما للتنظيم وقد أوكل للأخ عارف خطاب تدريب المقاتلين في أنشاص بمصر، ومن ثم أتخذ قرار بتوجيه المقاتلين إلى القواعد في الأغوار التي وصلت مبدئيا إلى العراق وبعد تسليم العتاد والسلاح والسيارات انتقلت إلى غور الأردن وتمركزت في ديرعلا وواد اليابس والمشارع ، وقد تولى الأخ عبدالله الكسواني(عواد) قيادة الفرقة بعد تخلف الأخ عارف خطاب عن الالتحاق بالفرقة، وقد توليت مسؤوليتي مفوضا سياسيا للفرقة، وكنت أقضي بضعة أسابيع مع المقاتلين في الغور وإثناءها أعيد تدريبي عل السلاح وأشارك في استطلاع مواقع العدو وحماية المجموعات المقاتلة أثناء عملياتها، وكان الأخ أبو خالد صبحي ياسين رحمه الله على أتصال معي من خلال رسائل مشفرة وكثيرا ما كنا نلتقي في عمان ونشارك سوية في تفقد المجموعات المقاتلة ونعقد حلقات نقاشية وتوجيهات ثورية وكان الأخ أبو خالد يملك معرفة قتالية ونضالية ودمث الأخلاق والتواضع وحبه لإخوانه الذين عايشهم وتحمل معهم معناة بناء التنظيم ودفع من ماله لتصريف الأمور وإعانة الأعضاء. وكنت في طريق عودتي من الأغوار وإليها أمر على الأخ القائد أبو علي إياد رحمه الله في دمشق وهوى يرقد في سريره مصاب بجروح بليغة في غرفة ترابية يربطها بالشارع العام جسر خشبي قرب قاعدة الهامة لقوات العاصفة، وكنا نتحدث عن الثورة وأبعادها والمسلكيات الثورية وعن التنظيم في لبنان وقد سمح لنا بأرسال مجموعات من التنظيم للتدريب في معسكرات الهامة وحموريه وميسلون وساعدنا على فتح معسكر للتدريب في سير الضنية في شمال لبنان ومدنا بالسلاح والذخيرة وكل ما يتطلبه أمور التدريب وفرز للتدريب مدرب أسمه ماو. كنا نعقد اجتماعاتنا التنظيمية مع الأخ أبو خالد في فندق رغدان بعمان أو في منزل الأخ أبو أبراهيم الكبير (خليل عيسى) لنتباحث حول أمور التنظيم وتأمين المستلزمات العسكرية والمالية للمقاتلين، وقد أصبح لمنظمة طلائع الفداء وجناحها العسكري نشاطا وامتدادا بارزا وواسعا في الساحة العربية، وممثلة في قيادة الثورة الفلسطينية واجتماعاتها وفي المجلس الوطني الفلسطيني ، وفي مكتب العمل الفدائي الذي شكل من ستة تنظيمات فدائية في اجتماع في القاهرة عام 1966، وكانت منظمة الطلائع الفدائية أقرب تنظيم لحركة(فتح) وكل أمكانياتها كانت تصرف من خلال الحركة، وقد كلفت مع الأخ صبحي ياسين لنكون حلقة اتصال مع حركة(فتح) وفصائل المقاومة الفلسطينية وبعد كل اجتماع كان يعقد في عمان نتوجه سوية لزيارة وتفقد قواعد المقاتلين في الغور، إذا كان الأخ أبو خالد رحمه الله حريصا على كل فرد من أفراد الفرقة، وقد اجتمعنا مرارا مع الأخ أبو عمار في عمان وفي قاعدة بواد شعيب بالسلط لطلب السلاح والألبسة العسكرية والذخيرة للمقاتلين ، وكان رحمه الله يستجيب لطلبنا دون تردد، وفي إحدى المرات أثناء عودتي من السلط إلى لبنان أصطحبني الأخ القائد أبو عمار معه مرورا بوادي خالد إلى دمشق وإثناءها تحدثنا عن رصد أهداف للعدو في ميناء حيفا عبر خلايا الداخل في منطقة شفا عمرو التي ينتمي إليها أبو خالد الذي زرع فيها بعض الخلايا لضرب أهداف سواء في البواخر الراسية أو في المنشئات المتواجدة في الميناء وقال الرئيس أبو عمار يومها: لدينا الإمكانيات لذلك وخاصة الألغام اللاصقة للبواخر التي لا تتأثر بالمياه. لقد كانت الوحدة والاندماج مع حركة (فتح) تراود العديد من رموز التنظيم باعتبار أن عناصر التنظيم تتدرب في معسكراتها وسلاحها وكل امكانياتها من الحركة والتنسيق في كافة المواقف والأهداف متطابقة والحركة ليست هي حزبا كما هي منظمة طلائع الفداء وبعد اجتماعات ومناقشات عقدت لأعضاء اللجنة المركزية في منزل أبو أبراهيم الكبير في عمان أخذ قرارا بالوحدة مع حركة (فتح) وقد جرت اجتماعات بهذا الخصوص مع الحركة تولى جانبها عن حركة (فتح) الأخ أبو اللطف وعن منظمة طلائع فداء الأخوين صبحي ياسين وعادل زواته وأعلنت الوحدة عام 1967 وقد وصلتني صورة عن اتفاقية الوحدة حملها لي الأخ حنا قمصيه وموجهة إلى معتمد الحركة في لبنان المرحوم حمدان عاشور وتنص الاتفاقية على استقطاب عناصر وكوادر التنظيم في لبنان لحركة (فتح) كل حسب كفاءته وقدراته، وقد عقدنا مع الأخ حمدان اجتماع في بيروت واتفقنا على كل التفاصيل بحضور المرحوم الأخ راضي النجمي وسلمناه كشوفات التنظيم في لبنان واتفقنا على كل التفاصيل واندمجت عناصر وكوادر التنظيم مع الحركة وأخذت دورها ونشاطها التنظيمي. بعد شهر من أعلان الوحدة وصلتني رسالة من الأخ صبحي ياسين لالتقي معه في فندق رغدان بعمان لنتوجه سوية إلى قواعد المقاتلين في الأغوار للاطلاع على سير الوحدة، وقد سبقني أبو خالد إلى عمان قدما من القاهرة ولم ينتظرني بل توجه على الفور إلى قواعد المقاتلين في وادي اليابس ودير علا والمشارع في الغور ، وقد أودع لي رسالة في الفندق لألتحق به فور وصولي إلى عمان(وهذا ما عرفته لاحقا) وبينما كنت أستعد للتوجه إلى عمان إذ بنشرات الأخبار من الإذاعات العربية تعلن نبأ استشهاد صبحي ياسين غدرا في الأغوار وللوهلة الأولى صدمت ودهشت، وتصورت في البداية ان طائرات العدو الصهيوني أو قصف مدفعيته قد أودت بحياته، ولم يطرأ على بالي أن أخوة له عاش معهم أكثر مما عاش مع عائلته، وباع مصاغ زوجته لأنفقها على مسيرة التنظيم وتعزيز بنائه، أن يقدم على اغتياله وهو يتوسل إليهم عندما كان في إحدى قواعد المقاتلين لزيارتهم، حينما أقدمت مجموعة فدائية قادمة من الغور الشمالي وعلى رأسها فوزي ماضي(أبو هتلر) أبن التنظيم تحاصر القاعدة بأمر من قائد القطاع الشمالي الغور الأردن أبو رعد، وتنذر من حوله من المقاتلين الابتعاد عنه وهنا قال أبو خالد لفوزي ماضي: تفضل يا فوزي لنتفاهم.. ماذا تريد من هذا الحصار تريد أن تقتلني؟ تذكر يا فوزي اننا عشنا مع بعض وأكلنا من صحن واحد، وبعت حليّ زوجتي لأنفقها عليكم وعلى التنظيم، وقد عشنا سوية مدة من الزمن.. فهل يكون جزائي القتل..؟ ماذا فعلت حتى تحاصروني؟ وما أن أكمل كلامه حتى أطلقت المجموعة الرصاص عليه رغم توسله للحوار معهم فأردوه شهيدا وسقط أبو خالد في المكان الذي يجب أن لا يسقط فيه بعد كل هذا النضال منذ أن كان مقاتلا وفتى في صفوف ثورة القسام وفي حرب عام 1948، يقاتل في أطراف حيفا أحراش يعبد وتلال شفا عمرو قوات الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية، وقد نزل هول المشهد والدماء تسيل من جنبات أبو خالد في قلوب عناصر القاعدة الذين كانوا قبل لحظات يستمعون لتوجيهاته كصاعقة شقت ظلام الليل وتردد صداها في وادي الغور السحيق، وهرع بعض عناصر المجموعة، ولفوه بحرام قبل أن يسلم الروح ووضعوه في لندروفر ونقلوه إلى عمان وقد بكاه الإخوان أبو عمار وأبو جهاد، ومن عمان نقل إلى القاهرة حيث شيعت جنازته في مأتم مهيب وسارت خلفه الوجوه السياسية والشعبية والوطنية ورجال الأعمال والقيادات الحزبية وقد رثاه الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري بقصيدة مؤثرة. وقد زرت مثواه في القاهرة فيما بعد وترحمت وقرأت الفاتحة على روح هذا القائد المجاهد المخلص لقضيته ووطنه. وفي لبنان قمنا بواجب العزاء وأقمنا مأتما للشهيد، وبعد يومين من استشهاده توجهت إلى معسكر التدريب في الهامة بدمشق لمعرفة تفاصيل خبر استشهاده من الأخ القائد أبو علي إياد الذي افادني أن من قام بهذه الجريمة مجموعة على رأسها فوزي ماضي(أبو هتلر) والمجموعة في السجن قيد التحقيق. وبعدها تباعت الموضوع لمعرفة الحقيقة، وكنت أستفسر عن هذا التحقيق ولكنني لم أصل إلى نتيجة، وأخيرا جاءني من ينصحني بالابتعاد عن هذا الموضوع لأنه بيد القضاء والعدالة ستأخذ مجراها ولا داعي للملاحقة، عندها تركت ملاحقة الموضوع للأخ أنيس الخطيب الذي هو قريب أبو خالد ومن بلده ومن كوادر ورموز حركة(فتح) ولكن للأسف أن فوزي ماضي أبو هتلر مازال حيا يرزق و يعيش في غزة ورتبته العسكرية عميدا في قوات الأمن الوطني وقد رأيته عندما زرت غزة في احد المرات، ولكن لم يسعفني الحظ لفتح الموضوع معه، حتى وباعتقادي أن الأخ أنيس الخطيب لم يصل إلى نتيجة لمعرفة الحقيقة.