مقالات و دراسات

حرب التطبيع الناعمة على سورية والجزائر

عابد الزريعي

لم تكد حكاية الطائرة البرازيلية التي أقلعت من مطار بن غوريون وحطت في الجزائر، تتكشف عن اكذوبة فبركها ايتاي بلومنتال الصحفي في يديعوت احرونوت الإسرائيلية، حتى خرج ايدي عبادي رئيس رابطة الجمعيات اليهودية الخليجية، على قناة روسيا اليوم في برنامج قصارى القول، ليهمس بان مباحثات إسرائيلية سورية تدور بشكل سري، ويبشر بقرب دخول سورية نادي المطبعين العرب. ولم يكاد يخفت صدى الخبرين حتى رمت الصحيفة ذاتها وبتكهنات الصحفي ذاته خبرا في صيغة سؤال نصه: “هل ستقلع طائرة من مطار بن غورين مباشرة الى أفغانستان؟؟؟؟؟ والإجابة هذا المساء”. تاركا المتابع غارقا في ضرب الودع بحثا عن اسم البلد العربي الذي ستعبر الطائرة من اجوائه، مع تبادل التحيات بين برج المراقبة في أحد مطاراتها، وقائد الطائرة الإسرائيلية. مر اليوم والذي يليه ويليه فلا الطائرة وصلت الى أفغانستان، ولا سورية ابتلعت الخبر وسكتت، بل نفته وبشكل مباشر ورسمي. وكذلك فعلت الجزائر وان كان النفي قد تم عبر قنوات أخرى، لاسيما وان وسائل الاعلام الأجنبية اخذت على عاتقها نفي صحة الخبر، ليس انحيازا للموقف الجزائري ولكن يبدو انها اكتشفت انها كانت ضحية لعملية تضليل اعلامي.
بداية لابد من التأكيد ان مروجي هذه الانباء يملكون يقينا مثل يقيننا، بان قطار التطبيع لن يمر في كل من الجزائر وسورية، لكن يقينهم يبقى دوما معجون بالأحلام والاوهام، بينما يقيننا يرتكز على ثوابت صلدة بعيدة عن الأوهام، وعصية على عصف الأيام. ومع ذلك نجدهم مستمرون في الخوض في هذا الموضوع، وبهذه الكثافة، وفي هذا التوقيت بالذات. الامر الذي يؤكد ان حربا ناعمة تدور رحاها على كافة المستويات، وان محاولة تجري لإرباك وعي، واختراق نفس وصدر وعقل كل مقاوم، من اجل الوصول به الى قناعة مفادها ان الجميع بات يشرب من بئر التطبيع العفنة، ومن لا يشرب الان سيشرب غدا او بعد غد، وبالنتيجة لماذا الاهتمام بقضايا التطبيع، ومطاردة المطبعين بالندوات والحملات الإعلامية والتحريض، واضاعة الوقت والجهد في معركة خاسرة بلا شرف.؟
اما اختيار سورية والجزائر كهدفين للحرب الناعمة، فله ما يبرره. كونهما الدولتين العربيتين اللتين تملكان موقفا واضحا وصلبا من مسألة التطبيع، إضافة الى انهما يملكان من القدرات والمشروعية القومية وصلابة الفكرة، ما يجعلهما يعطلان استكمال مشروع الهيمنة الصهيونية. فسورية ورغم كل ما تتعرض له، مازالت ممسكة بخاصرة الجبهة الشمالية التي تنغص على العدو، وتمنع عليه تحقيق حلمه بتقييد وكسر حلقة الطوق العربي بشكل كامل، بعد الإمساك بالحلقتين المصرية والاردنية. وهي بهذا الموقف تمنع انهيار الجناح الشرقي للوطن العربي، اما الجزائر فهي الحلقة الصلبة في المغرب العربي. وبذلك تمنع انهيار الجناح الغربي للوطن العربي.
لقد اختار العدو المضي العدو في طريق العمل من اجل الارباك عشية الانتخابات الرئاسية في سورية والبرلمانية في الجزائر، اعتقادا انه الطريق الاسهل، بدلا من الدخول في سياسة المكاسرة مع أي من هاتين الحلقتين. إضافة الى ذلك محاولة ارباك الحركة الجماهيرية المقاومة للتطبيع على مستوى العربي، خاصة وأنها تقاتل كأبطال طروادة، تصمد في جبهاتها، مدعومة بيقين بان هناك قلاع عربية كبرى مازالت صامدة في الميدان، مثل القلعتين السورية والجزائرية، فاذا ما تم اختراقها بفكرة انهيار هاتين القلعتين، فمن الطبيعي ان تبدأ صفوفها في التفكك والانهيار ولو بشكل بطيء. وإذا وضعنا في الاعتبار بان عملية التسريب ومحاولات الاختراق، لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستتوالى وبشكل أكثر كثافة وتنويعا، فذلك يفرض مستويين من المواجهة.
أولا بالنسبة للدول المستهدفة ان تبادر كلما استدعت الضرورة الى الرد والتوضيح عبر قنواتها واعلامها الرسمي، وبالمستويات المناسبة، والتي قد يكون التجاهل أحد اشكالها. لكن الأساسي عدم ترك جماهيرها نهب للتخمينات والضغوط النفسية والمعنوية.
ثانيا بالنسبة للحركة الجماهيرية المقاومة للتطبيع، ومن موقع الارتكاز على قاعدة صلبة من الوعي، لابد من المبادرة بتعرية هذه المحاولات وفضحها على أسس علمية ومتينة. بما يستدعيه ذلك من متابعة ورصد دقيق لكل ما تروجه القوى المعادية. وهنا تأتي أهمية مراصد مقاومة التطبيع. علما ان كثير من المراصد قد أسست، ولكن القائمين عليها لا يفرقون بين مرصد قائم على أسس عملية وبين صفحات تدوين عادية يمكن ان يقوم بها كل شخص.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق