مقالات و دراسات

استشهاد عمر النايف بين محاولة الاعتقال وتنفيذ الاغتيال

“انتصار الدم على السيف وإدانة التخاذل”

د.عابد عبيد الزريعي

مدخل : لقد شكلت عملية اغتيال المناضل عمر النايف داخل مبنى السفارة الفلسطينية في صوفيا حدثا غير قابل للتجاوز والمرور عليه من غير توقف وتعمق شديدين. فهو يمثل سابقة اذا لم تتم معالجتها من كافة جوانبها فستبقى امكانية البناء عليها ومحاولة اعادة تكرارها في ظروف مختلفة وبأشكال متعددة امكانية قائمة. بما يترتب على ذلك من نتائج يستطيع الانسان ان يجزم سلفا بانعكاساتها المأسوية على النضال الوطني الفلسطيني. كما وتتميز هذه السابقة بتشكل ملامحها من جملة الدلالات التي تعكسها وتعبر عنها مجموعة من القضايا ترتبط اولا بالشخص المستهدف وثانيا بمكان الاستهداف ومستوياته. وثالثا بمن يقف خلف الاستهداف سواء لجهة التوجيه او التنفيذ. ورابعا الاهداف المراد تحقيقها خلال مرحلة محاولة اعتقال الشهيد ومرحلة اغتياله. وخامسا الارادة الفولاذية للشهيد وما ترتب عليها من انجازات لعبت دورا حاسما في اجهاض اهداف العدو وتفريغها من مضمونها. يضاف الى ذلك الاستنتاجات العامة التي يمكن ان يفرضها الحدث وملابساته على العقل والوجدان الوطني الفلسطيني. هذا المقال محاولة لبحث الموضوع من الجوانب المشار اليها. عبر اربعة عناوين هي : اولا : الامساك ببداية الخيط. ثانيا : تفكيك عقدة الاسئلة. ثالثا : السيف ومنظومة الاهداف المرتجاة. رابعا : الدم ومنظومة الانجازات المتحققة. خامسا : منظومة التخاذل المتآكلة

اولا : الامساك ببداية الخيط

بدأت قضية المناضل عمر النايف ابن مدينة جنين، عندما قام وشقيقه حمزة ورفيقهم سامر المحروم، بتنفيذ عملية طعن ضد مستوطن صهيوني في حارة السعدية في القدس المحتلة بتاريخ 15/12/1986. وبعد اعتقالهم حكم عليهم بالسجن مدى الحياة. وقد تم الافراج عن شقيقه ضمن صفقة شاليط. وكذلك رفيقه سامر الذي أعيد ثم اعيد اعتقاله لاحقا. اما بالنسبة لعمر وبعد ان امضى في المعتقل اربع سنوات خاض بعدها إضرابا مفتوحا عن الطعام نقل على اثره الى مستشفى ببيت لحم بتاريخ 12/5/1990. ومن هناك تمكن من الهرب واختفى داخل الاراضي الفلسطينية لفترة من الزمن، ثم غادرها وعاش متنقلاً بين عدد من الدول العربية حتى عام 1994. سافر بعدها الى بلغاريا وحصل هناك على شهادة اقامة وتزوج وأنجب ثلاثة أبناء معتمدا في حياته على محل تجاري افتتحه في العاصمة البلغارية  صوفيا. ثم عاودت القضية الظهور بتاريخ 15/12/2015 عندما سلمت النيابة العسكرية الاسرائيلية رسالة الى وزارة العدل البلغارية، بواسطة السفارة البلغارية في اسرائيل. تطالب فيها بتسيلم عمر نايف حسن زايد المقيم ببلغاريا الى اسرائيل باعتباره هارب من العدالة ومحكوم بالسجن المؤبد. وعلى الفور طالبت النيابة البلغارية بوضع عمر بالحجز لمدة 72 ساعة الى حين اتخاذ القرار بالمحكمة السريعة لتقرير الاستجابة للطلب ام رفضه. ولكن عمر لم يسلم نفسه ولجأ الى مقر السفارة الفلسطينية  التي اقام فيها اكثر من شهرين تعرض فيها لضغوط من قبل طاقم السفارة الى ان انتهى الامر باغتياله داخل مبنى السفارة ليلة الجمعة الموافق 26 / 2 / 2016. على ضوء هذا المسار الممتد من عام 1986 وحتى عام 2015  تبرز اربعة ملاحظات او استنتاجات تتلخص فيما يلي :

1 : ان اسرائيل وعبر اجهزتها الأمنية  لم تغلق ملف عمر النايف منذ تاريخ هروبه من المعتقل عام 1986. وقد بقي هذا الملف مفتوحا لدى تلك الاجهزة ما يقارب الثلاثة عقود من الزمن. بما يعنيه ذلك من اصرارها على متابعته.

2 : ان الاجهزة الامنية الاسرائيلية قد فشلت في متابعة تنقلاته على مدى السنوات الاربعة الأولي لكنها استطاعت ان تحدد بلد ومكان استقراره النهائي وبالتحديد بلغاريا. التي تربطها علاقات تنسيق امني مع اسرائيل وقد ناقش نتنياهو مع رئيس الوزراء البرتغالي بوريسوف الذي زار اسرائيل ليلة وقوع الجريمة “المصلحة المشتركة للدولتين – مكافحة الإرهاب

3 : ان معلومات الاجهزة الامنية قد وصلت الى القيادة السياسية الاسرائيلية التي لم تتصرف بشكل ميكانيكي وإنما اختارت الوقت المناسب للطلب من السلطات البلغارية اعتقاله وتسليمه اليها.

4 :  اذا كان الزمن الفاصل بين معرفة المعلومة من قبل اجهزة الأمن وتبليغها بعد التأكد منها زمن صفري، فان الزمن الفاصل بين التبليغ والتحرك نحو الهدف هو زمن مفتوح. كان الشهيد خلاله ومن الناحية الموضوعية تحت السيطرة الأمنية.

ثانيا : تفكيك عقدة الاسئلة

تتميز عملية الملاحقة التي انتهت باغتيال الشهيد بنوع من التعقيد والتركيب الذي يستدعي تفكيكه طرح سلسلة من الاسئلة المتتالية وهي:

السؤال الاول : هل كان اغتيال الشهيد هدفا رئيسا لإسرائيل ؟ اذا كان الأمر كذلك فلماذا لم يتم التنفيذ منذ البداية ، لاسيما وان كل الظروف كانت مهيأة امامها وبعيد عن الضجيج؟

السؤال الثاني : لماذا ارادت اسرائيل ـــ منذ البداية ـــــ  اعتقال عمر النايف من خلال مطالبة السلطات البلغارية بتسليمه لها ؟ ولم تسلك طريق الخطف كما فعلت سابقا عندما خطفت المهندس ضرار ابو سيسي في اوكرانيا فبراير 2011 مثلا ؟. وارتباطا بهذا السؤال. ألا يؤكد سلوك الطريق الدبلوماسي والسياسي وبشكل علني ان اغتيال عمر النايف لم يكن مدرجا على جدول الاعمال الاسرائيلي على الأقل خلال هذه المرحلة؟ 

السؤال الثالث : اذا كان قرار الاغتيال قد اتخذ في فترة لاحقة لبدء المطالبة بالتسليم فمتى تم وضع قرار الاغتيال على الطاولة ؟ و ما هي الدوافع المحفزة  والأهداف المراد تحقيقها؟

ان الاجابة على هذه الاسئلة تتجاوز صيغة نعم ولا. لتتخذ طابعا مختلفا تماما ويندرج في سياق محاولة اعادة بناء الموقف الاسرائيلي ومسار اتخاذ القرار ومضمونه تجاه هذه المسألة. وفي هذا الجانب يمكن القول ان صانع القرار الاسرائيلي وفي اللحظة التي تم فيها تحديد مكان الشهيد، وبالمعنى الامني تحديد الهدف الذي اصبح من الناحية الموضوعية تحت سيطرته، وهي لحظة سابقة بكثير عن اللحظة التي تحرك فيها والتي اتخذ فيها قرارين هما قرار الاغتيال وقرار الاعتقال. واللذين اراد منهما التأكيد على طول اليد التي لا يستطيع احد الافلات منها وأينما وجد. بما يعنيه ذلك من ” الحفاظ على قدرة الجهاز التنفيذية ” حسب تصريح رئيس الموساد الجديد يوسي كوهين لصحيفة معاريف عند تسلمه لمهامه.  اما من حيث التنفيذ فقد تم تقديم قرار الاعتقال والمباشرة العلنية في تنفيذه ، بينما بقي قرار الاعتقال معطلا. وتم ربط اشتغاله بالنتيجة التي سينتهي اليها قرار الاعتقال او “التسليم” ونوعية الظروف الناتجة والمترتبة على ذلك.

ثالثا : السيف ومنظومة الاهداف المرتجاة

لقد انتجت العملية التراتبية لمسار تنفيذ القرارين جملة الاهداف التي اراد الكيان الصهيوني تحقيقها في كل حالة من الحالات. وهنا تجدر الاشارة الى وضوح الاهداف المرتجاة من قبل العدو في حال تم قرار الاعتقال. بينما تبقى الاهداف المراد تحقيقها من عملية الاغتيال مرتبطة بالظرف الذي تتم فيه العملية وكيفية تنفيذها.على ضوء ذلك يمكن تحديد تلك الاهداف في ارتباطها بصيغة القرار / اغتيال / اعتقال / في مستويين:

المستوى الأول :  مستوى الاهداف المرتبطة باعتقال الشهيد من خلال مطالبة السلطات البلغارية تسليمها ” عمر النايف” بناء على اتفاقية موقعة بين الطرفين حول تسليم المطلوبين ومستفيدة من العلاقة الامنية والاستخبارية الوثيقة مع السلطات البلغارية والتي تعززت منذ عام 2009 في ظل بوريسوف رئيس الوزراء وجنرال الشرطة السابق. وقد سبق اختبار هذا التعاون في التحقيق في قتل السياح الاسرائيليين الخمسة وسائق الباص البلغاري واتهام حزب الله بذلك  في تموز 2012، في مدينة بورغاس. ومن الجلي ان رئيس الوزراء بويكو بوريسوف كان في زيارة  لإسرائيل ولقائه رئيس  الوزراء بنيامين نتنياهو قبل يوم من تنفيذ الاغتيال. ويمكن تلخيص الهدف المركزي الاسرائيلي من محاولة دفع السلطات البلغارية الى اعتقال عمر النايف وتسليمه لها في مسألتين :   

الأولى ـــــ تسجيل سابقة قانونية يتم البناء عليها في المطالبة بتسليم مناضلين فلسطينيين اخرين  في مختلف البلدان وبغض النظر عن ظروف وأسباب تواجدهم.

الثانية ـــــ تجريم المقاومة الفلسطينية وإعادة توصيفها على قاعدة اعتبارها نشاطا ارهابيا. وذلك من خلال:

ا ـــــ تجريدها من جملة الاحكام القانونية الدولية المشرعة للمقاومة. والتي تنبني عليه ثلاثة تكييفات قانونية :

التكييف الاول : اعتبار وجود إسرائيل في حد ذاته عمل عدواني ارتكب ضد الشعب الفلسطيني.[i]

التكييف الثاني : حق الشعب الفلسطيني في مقاومة العدوان حق مشروع تكفله القوانين الدولية.[ii]

التكييف الثالث : ضرورة تقديم الدعم المادي والمعنوي للشعب الفلسطيني ومناضلية وحركته التحررية.[iii]

 ب ـــــ اخضاعها لأحكام القانون الدولي التي تدين الارهاب  وتطالب ملاحقة مرتكبيه.[iv]بالمفهوم الغربي الامبريالي الذي يدرج نضال الشعوب في هذا السياق.

وإذا كان العدو في تحركه باتجاه تحقيق اهداف المستوى الاول قد استفاد وبشكل مباشر وعملي من مستوى علاقة التنسيق مع السلطات البلغارية، فانه قد حاول الاستفادة القصوى من حالة التطبيع العامة التي تنتهجها عديد الانظمة العربية بما توفره من اجواء تساعد من الناحية الموضوعية على تهيئة الاجواء لدمغ مقاومة الكيان الصهيوني بالإرهاب.

المستوى الثاني: مستوى الاهداف المرتبطة بقرار الاغتيال الذي تم بلورة صيغته النهائية بعد لجوء الشهيد الى السفارة الفلسطينية. حيث اصبح عمر النايف تحت السيطرة المباشرة من خلال وجوده في مكان محدد ومحصور جغرافيا بشكل كبير. وهنا تم اخراج قرار الاغتيال من الدرج ووضعه على طاولة التنفيذ ” اغتيال عمر النايف داخل السفارة الفلسطينية “. منطلقا من الاستفادة من مسألتين تتمثل الاولى في اجواء الرفض التي عبرت عنها بعض اطراف السفارة بوعي او من غير وعي بما يفرضه الواجب في مثل هذه الظروف بينما تتمثل الثانية في سهولة التنصل من الجريمة بالاستناد الى ذريعة انها لو كانت تريد اغتيال عمر النايف لقامت بذلك في صمت ومن غير اللجوء الى القنوات الدبلوماسية من اجل اعتقاله. على ضوء ذلك كان الاعتماد في تنفيذ العملية باليات وأدوات وترتيب يجعل من الاشارة بإصبع الاتهام الى ادوات فلسطينية مسألة منطقية. وبما يقود الى تحقيق ثلاثة اهداف متداخلة هي:

اولا : اثارة الفتنة وتعميق الخلاف والصراع  داخل المجتمع الفلسطيني وقواه السياسية.

ثانيا : تعميق حالة الارباك والارتباك التي تعيشها السلطة الفلسطينية من خلال تأكيد عجزها وسهولة اختراقها. 

ثالثا : خلق حالة من الهلع النفسي وعدم الثقة والشك والتوجس العام بما يقود في النهاية الى خلق حالة من التفتت النفسي في اوساط الشعب الفلسطيني.

وفي محاولة اسرائيل تحقيق المستوى الثاني من الاهداف فإنها قد سعت وبالدرجة القصوى للاستفادة من علاقة التنسيق الامني مع السلطة الفلسطينية، بما تثيره هذه العلاقة من شكوك في الاوساط الفلسطيني ، وتقود اليه من خلط اوراق وتخمينات عديدة تطال كل المستويات.

رابعا : الدم ومنظومة الانجازات المتحققة

تلك الكومة من الاهداف الاستراتيجية التي حرك العدو الصهيوني من اجل تحقيقها أهم مؤسساته الامنية والسياسية والقانونية ” الموساد والخارجية والعدل ” بما يعنيه ذلك من حالة استنفار شامل في المؤسسات الأخرى. كان مصيرها متعلقا بإرادة رجل واحد وحيد واعزل ومهدد ومحاصر على المستويات كافة “المكان البيئة الاجتماعية “. ليعيد التاريخ مرة اخرى لحظة المواجهة الدرامية بحديها المحملين بالدلالة الانسانية والسياسية والمصيرية حدي السيف # الدم . والتي غالبا ما تنتهي في مسارها التاريخي والاستراتيجي بانتصار الدم على السيف.

فقد شكل رفض الشهيد عمر النايف تسليم نفسه للسلطات البلغارية، ومن ثم لجوءه للسفارة الفلسطينية وإصراره على عدم الاستسلام حتى الشهادة نقطة تحول استراتيجية بكل المعايير. استطاع الدم عندها ان يكسر حد السيف ويسقط منظومة الاهداف التي اراد تحقيقها وإفراغها من مضمونها وان يعيد الحياة لما اراد العدو قتله على المستويين القانوني والسياسي والذي تناسيناه خلال السنوات العجاف. ويمكن تلخيص ذلك في خمسة انجازات استراتيجية حققها عمر النايف بعناده الثوري وصموده الاسطوري وهي :

1 : كسر ارادة العدو وهي مسألة تكررت مرتين الاولى عندما رفض الانصياع للعدو وقرر انتزع حريته بيديه وهرب من الاعتقال عام 1990. والثانية عندما رفض الاستسلام للاعتقال بالرغم من انه كان اعزلا ووحيدا ومحاصرا على مستوى المكان والبيئة الاجتماعية. فالتجأ الى السفارة. وقاوم نقله الى المستشفى من داخلها حين ارادوا الانتصار عليه غيلة وبقي صامدا حتى الشهادة لتفلت روحه من قبضة العدو وتصعد الى بارئها.

2 : تثبيت وإعادة التاكيد على حق الشعب الفلسطيني في مقاومة العدوان واندراجه في سياق النضال من اجل التحرر الوطني. وبالنتيجة التأكيد على سمة المناضل الفلسطيني كمناضل من اجل الحرية والاستقلال الوطني.

3 : اعادة الحياة والبحث في المنظومة القانونية الدولية التي تؤكد على حق الشعوب في مقاومة العدوان وبكافة الاشكال كحق مشروع وتنص على ضرورة تقديم الدعم المادي والمعنوي للمناضلين وليس تسليمهم للعدو. وأيضا إعادة تمليك مختلف القوى المناضلة مشروعا نضاليا هاما ضد القوى الصهيونية والرجعية والقوى الامبريالية.

4 ـــ توفير الحماية لغيرة من المناضلين الفلسطينيين. فإعادة طرح القضية وبالمحددات الواردة في جوانبها القانونية الدولية تتيح المجال لإغلاق ملف ملاحقة المناضلين وطلب تسليمهم. بل ان مسألة حمايتهم في البلدان التي يتواجد فيها بعضهم تصبح مسألة مطروحة وبقوة. 

5 ــــ توحيد الوجدان الفلسطيني على موقف حاسم لرفض وإدانة الفساد والتخاذل والمناداة بالمحاسبة بل والبحث الجاد في مستقبل المشروع الوطني الفلسطيني. وكانت صرخات وأهات الالم الانساني لحظة احتضاره بمثابة نداء وصل الى سمع ووجدان الجميع إلا من في عقله قبل اذنه صمم.

خامسا : منظومة التخاذل المتآكلة

يمثل التخاذل والتخلي احد التيمات الملازمة للحظة المواجهة بين الدم والسيف. وغالبا ما يكون التخلي والخذلان على حساب الدم وليس السيف الذي يكثر من حوله المدد. وفي هذا الصدد لابد من تسجيل الملاحظات الاتية:

أولا : لقد مارس الشهيد حقه المشروع كمواطن فلسطيني مهدد يطلب الحماية من السفارة الفلسطينية وهي المكان الذي يعرفه والمكلف بالضرورة بحماية المواطن الفلسطيني وتسهيل وصون حياته.

ثانيا : ان لجوء الشهيد للسفارة لم يكن عبئا عليها بقدر ما منحها  فرصة  تأكيد الاستعداد لتحمل مسؤولية حماية مواطنيها أولا. وتأكيد حصانتها الدبلوماسية بكل ما يعنيه ذلك من معاني ودلالات ثانيا. والتأكيد على ان التهديد الذي يتعرض له عمر النايف ناتج عن كونه مناضل وطني فلسطيني من اجل الحرية والاستقلال الوطني بكل ما يترتب على ذلك من نتائج قانونية متضمنة في القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة ثالثا. وبالاستناد الى ما سبق كان يمكن خوض معركة قانونية وسياسية مفتوحة لفضح اسرائيل وإعادة تقديم القضية الفلسطينية كحركة تحرر وطني على المستوى الدولي.

ثالثا : ان حالة اللامبالاة والتراخي التي تم التعامل بها مع الموضوع ومنذ اللحظة الاولى  والتي وصلت الى حد مطالبته بمغادرة السفارة / اي تسليمه / والاستمرار في تهديده والضغط المستمر عليه ليس له إلا معنى واحد هو تخلي طقم السفارة عن القيام بواجبه تجاه مواطن فلسطيني. وهذا الموقف قد شرع الباب من الناحية الموضوعية لاغتيال الشهيد عمر النايف.

رابعا : الموقفان المتخذان من قبل المؤسسات الرسمية للسلطة الفلسطينية منذ اللحظة الأولى وهما اعلان السلطة انها ” شكلت خلية ازمة لمتابعة قضية النايف ” وتصريح وزارة الخارجية الفلسطينية  بأنها “لا تحتاج الى من يصيغ لها خطوات عملها في هذا المجال ” يطرحان الاسئلة الاتية : من هي خلية الأزمة وهل وجدت فعلا؟ وكيف كانت تتابع هذا الامر ؟وإذا كانت قد وجدت ومارست عملها حقيقة، أَلم تفكر في الحماية الجسدية والأمنية لعمر النايف؟ وهل كانت وزارة الخارجية مطلة على ممارسات طاقم السفارة تجاه الشهيد ؟ والتي تجاوزت حدود الضغط عليه ومضايقته الى منع زيارته من قبل اقربائه ومحاميه ورفض مقترح ابناء الجالية بتوفير حماية له. فهل  كانت الوزارة تعلم وصمتت أم لم تكن تعلم بما يدور داخل السفارة؟ هذه الاسئلة تستدعي القول ان التحقيق في حادثة الاغتيال يجب ألا تقتصر على حدود السفارة وطاقمها بل يجب ان تشمل اكثر من مسئول وأكثر من مؤسسة في المركز وفي الاطراف.

خامسا : ان فزعة الجبهة الديمقراطية دفاعا عن ابنها الذي تشير اليه اصابع الاتهام بالضلوع في هذا الموضوع واتهام كل من يطرح علامة استفهام حول معالجته للقضية ” بالعمالة لإسرائيل ” والتهديد بملاحقته  ومحاسبته.  والتعميم على الاعضاء بعدم المشاركة بحملات التضامن مع النايف بكافة دول العالم. تكشف عن ازمة الفصيل  الفلسطيني والعقلية القبلية التي باتت تتحكم في سلوكه. الامر الذي يشكل غطاءا وبيئة خصبة للاختراقات في عمق الصف الوطني وبما يكشف حقيقة عن ازمة الحركة الوطنية الفلسطينة.

سادسا : ان السؤال الذي يتم طرحه : ما هو رد الشعبية على اغتيال عمر النايف؟ وعلى الرغم مما فيه من حث على الثأر الذي لم تتخلف الجبهة الشعبية يوما عن اداء واجبها في الاقتصاص من اعداء الشعب الفلسطيني وبمن يستهدف كوادرها وأعضائها. إلا ان تكرار مثل هذه الاسئلة  يقود الى تعميق حالة القبلية الفصائلية التي باتت تنخر العقول والقلوب. والسؤال الذي يجب ان يطرح في مثل هذا الوضع وعلى الرغم من انتماء عمر النايف للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. هو : ما هو رد الحركة الوطنية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والمثقفين الفلسطينيين على جريمة استباحة قيم وطن من قبل مجموعة من الفاسدين تعيق بأفعالها وممارساتها  الطاقات والجهود التي تعمل من اجل تحرير أرض وطن ؟؟

خاتمة :لقد اكد الشهيد بدمه انتماءه لقضيته الوطنية. ومارس دوره النضالي على اكمل وجه وعبر مسار طويل من النضال داخل الوطن الى الاعتقال الى التمكن من انتزاع حريته وفراره من المعتقل. مجسدا بذلك معاناة شعب وعدالة قضية وقيم حركة تحرر وطني. وكانت صرخته الاخيرة في جوهرها  حالة استمرار لدوره النضالي لأنها لم تكن صرخة ألم ووجع ذاتي بقدر ما كانت صرخة في وجه من ينخرنا من الداخل وإدانة لمرحلة كاملة من اللامبالاة والاستسهال والاستزلام والممارسات المخزية. وإشارة بالدم الى كومة من العفن تسد الطريق على الفعل القادر على استقطاب وجذب كل طاقات الشعب الفلسطيني على طريق الانعتاق الوطني.


ـــ المادة الاولى والثالثة من  قرار تعريف العدوان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ كانون الأول 1974 : والتي تعرف العدوان بأنه ” استعمال القوة المسلحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى، أو ضد سلامتها الإقليمية، أو ضد استقلالها السياسي ” وحددت المادة الثالثة الأعمال التي تشكل عدوانا ومنها: الاجتياح والاحتلال الحربي وقصف الإقليم وحصار المرافئ والسواحل [i]. د. كمال حمِاد : الإرهاب والمقاومة في ضوء القانون الدولي العام  ص 71 ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع ـ بيروت 2003

2 ــ ـــــ المادة السابعة من قرار تعريف العدوان  ” حق الشعوب …….في ان تقاوم ذلك بكل الوسائل الممكنة، بما في ذلك القوة المسلحة. القرار 2621 الصادر في تشرين الاول 1970 “وعلى ان نضال الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستمارية والاجنبية والانظمة العنصرية من اجل تحقيق حقها في تقرير المصير والاستقلال هو ” نضال شرعي ويتفق تماما مع مبادئ القانون الدولي “

د. كمال حمِاد : الإرهاب والمقاومة في ضوء القانون الدولي العام  ص72 ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع ـ بيروت 2003

د . عبد القادر ياسين : الانتهاكات الاسرائيلية للحقوق الوطنية الفلسطينية ص 18 منشورات فلسطين المحتلة ـ بيروت 1981

3 ــ ـــــ قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للامم المتحدة 1978 المؤرخ فقد اعلن في فقرته الثانية ” يؤكد من جديد ان اعتراف الجمعية العامة ومجلس الامن وغيرهما من هيئات الامم المتحدة بمشروعية كفاح الشعوب المستعمرة من اجل تحقيق الحرية والاستلال يستتبع تلازمه قيام قيام منظمات الامم المتحدة بتقديم كل مساعدة معنوية ومادية تحتاج اليها شعوب الاقاليم المستعمرة وحركات تحريرها الوطني” راجع : تقرير المصير السياسي للشعوب ص398.

4 ــ وهي جملة احكام القانون الدولي والتي صدرت في شكل بيانات او قرارات دولية وتلتزم مكافحتة ومعاقبة مرتكبيه. ومن هذه الاحكام اعلان هلنسكي 1975 الذي التزمت بموجبه الدول الاوربية الامتناع عن مساعدة اي نشاط ارهابي في أي شكل كان. د. كمال حمِاد : الإرهاب والمقاومة في ضوء القانون الدولي العام  ص 75ـ المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتوزيع ـ بيروت 2003

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق