مقالات و دراسات

دور الامارات كوكيل وظيفي للإمبريالية الإقليمية الإسرائيلية

عابد الزريعي

مدير مركز دراسات أرض فلسطين للتنمية والانتماء

مقدمة:
لم تكن الامارات في وضع يسمح لها بتقديم تبريرات لاندفاعها نحو إسرائيل، مثلما فعل السادات، الذي لم يجرؤ ان يذهب الى ما ذهبت اليه. الى حد ان مفهوم التطبيع اخذ في يتبلور في الذهن الإسرائيلي على ضوء التجربة المصرية، بعد ان وجدت نفسها معزولة ضمن علاقة باردة في أوساط رسمية ضيقة. الخطوات النوعية التي قطعتها الامارات وخلال اقل من شهر، والتي شملت كافة المستويات، تطرح سؤالا جديا حول موقعها في هذه العلاقة. فهل اختارت التطبيع لتحقيق مصلحة محددة دون ان تحدوها الرغبة في تطويره.؟ أم انها طبعت في سياق قيامها بدور وظيفي يخدم استراتيجية إسرائيل على المستوى الاقليمي.؟ كل المؤشرات تقول ان الامارات قد اختارت التوجه الثاني، وسارت في الطريق الذي حدد لها كوكيل وظيفي لإسرائيل. وهذا المقال محاولة لتبيان ذلك.
أولا: الامبريالي الإقليمي والحاجة الى وكيل وظيفي اقليمي.
ظاهرة التطبيع مثل اية ظاهرة واقعية في الطبيعة او في المجتمع، مجموعة احداث متراكمة تصل عند مرحلة معينة الى كيفية جديدة. وبالنتيجة فان تراكم احداث التطبيع التي بدت في مرحلة معينة كأحداث متفرقة، كان لابد ان تصل الى كيفية جديدة اتخذت شكل التموضع الصهيوني الجديد في المنطقة. لكن السمة الرئيسة لهذه الظاهرة التي تتركب من طرفين (عربي ــ إسرائيلي) انها في لحظة تحولها الى مستوى جديد، يتحول معها طرفاها، ومن موقع القوة ذاتها. المهيمن، والمهيمن عليه. خاصة بالنسبة للطرف الأول (المهيمن) الذي لا يعود كما هو، ومفصل تحوله انه يكتسب مساحات جديدة وتفتح امامه افاق جديدة أيضا. فإسرائيل التي كانت محصورة من الناحية الموضوعية في الجغرافيا الفلسطينية، لم تعد حبيسة تلك الجغرافيا فقد أتاح لها التطبيع فرصة الانتشار في الجغرافيات التي لعبت دورا ــ سابقا ـــ في حصرها في الجغرافيا الفلسطينية، وبإمكانيات اقتصادية وسياسية وعسكرية تسمح لها ان تكون مهيمنة في تلك الجغرافيات، وبما يسمح لها ان تكون شكلا من الامبريالية في النطاق الإقليمي. وبهذه الصفة فهي لا تفقد دورها كأداة وظيفية للإمبريالية العالمية، بل تمارس ذلك الدور الوظيفي وبمستويات أرقي بصفتها الجديدة. ومن هذا الموقع فهي تستنسخ الية العلاقة بينها وبين المركز العالمي في علاقتها مع الفضاء الذي تتبدى فيه كإمبريالية اقليمية، وبمعنى ادق فهي تقوم في هذا الفضاء وتمارس كإمبريالية لابد لها من أداة وظيفية في الإقليم. او وكيل وظيفي، يقوم بعديد الأدوار من اجل ترسيخ حضورها بصفتها الجديدة. وهنا يبرز دور الامارات كوكيل وظيفي تحددت مهمته في فتح الطريق امام تغلغل وانتشار وهيمنة الامبريالية الإقليمية الإسرائيلية على الفضاء الإقليمي المحيط.
ثانيا: اختيار وتحضير الوكيل الوظيفي:
السؤال الذي يطرح في هذا المستوى. لماذا الامارات.؟ لاسيما وان هناك من طبع قبلها واقام علاقات رسمية مع إسرائيل، فلماذا لم يقع عليه الاختيار.؟ أو لم يستطع القيام بهذا الدور.؟ وإذا اخذنا مصر على سبيل المثال فقد سبقت الامارات بسنوات، وهي دولة كبيرة، وقد تكون أكثر تأثيرا.؟ والسؤال الأهم هل يمكن لدولة عربية أخرى إذا ركبت قطار التطبيع ان تقوم بهذا الدور.؟ الإجابة على هذه الأسئلة تعيد الى الذهن كيفية اختيار الحركة الصهيونية من قبل المركز الامبريالي العالمي كوكيل وظيفي في الإقليم. وبغض النظر عن التفاصيل وهي كثيرة، الا ان قطع طريق العودة على الوكيل تبدى كأمر حاسم في هذا الصدد. ويبدو ان الامارات قد خضعت الى ذات الامر، مع اختلاف كبير في التفاصيل الأخرى، والتي لابد ان تكون مختلفة. هناك عاملان لعبا دور الحسم في ان تكون المهمة موكوله للأمارات دون غيرها من قبل او بعد، يتحددان في:
أولا: عامل موضوعي: يتمثل في طبيعة البنية السكانية الإماراتية التي تتميز بانخفاض عدد المواطنين الاماراتيين من أصل اماراتي قياسا للسكان الوافدين من اقطار مختلفة خاصة من اسيا. وهؤلاء هم الذين يديرون دولاب الحياة في الامارات، ويمسكون بكل مفاصل الدولة بما في ذلك الجيش والبوليس. ان الميل الديمغرافي لصالح الوافدين يجعل منهم ورقة ضغط دائمة يحتاج الامر فقط الى تحريك بؤر توتر. ليتم طرح شعار الامارات دولة لكل سكانها. والتفاصيل المترتبة يمكن للمرء ان يتوقعها. كما يتمثل في تدفق رؤوس أموال ضخمة وعالمية يهودية بالأساس في شرايين الاقتصاد الاماراتي الخدماتي، والذي بات بدوره منتشرا في أكثر من بلد، ليصبح بدوره رهينة لقوى خارجية تستطيع ان تشله في اللحظة التي تريد. كما يتمثل أيضا في انها وبحكم وضعيتها المالية لا تحتاج الى مساعدات اقتصادية، أي لن تكلف شيئا بل يمكن الاستعانة بأموالها عند الحاجة.
ثانيا: عامل ذاتي: يتمثل في التناقضات الذاتية بين افراد الاسرة الحاكمة المرتبطة بالطموح الذاتي المحكوم ببنية وراثية محددة، لا يمكن الانقلاب عليها الا بالاعتماد على دعم خارجي. وفي هذا الصدد من غير المستبعد ان اختراقا عميقا قد تم لشخصيات اماراتية حاكمة. ومن اللافت ما ورد على لسان نتنياهو عند عرضه الاتفاق على الكنيست للمصادقة عليه، حيث أشار ان هذا الاتفاق استغرق التحضير له 25 عاما. فهذه المدة لم تكن مدة اشتغال على مواد اتفاق، وانما اشتغال على اشخاصه. كما يتمثل في الطموحات الذاتية المتجاوزة للحدود والناجمة عن لمعان صورة الأمارات، ومحاولة تكثيف الدور وتضخيمه وفرضه خارج حدود البلد.
ثالثا: الوكيل الوظيفي ومرحلة الاعداد:
المراجعة الدقيقة لحركة الامارات السياسية والاقتصادية منذ ظهور نظام الأحادية القطبية، تلفت النظر الى توجهها الى الانتشار على أوسع نطاق بما يتجاوز حدودها السيادية، في ثلاثة مستويات:
1 ــ المستوى الاقتصادي: ويتبدى في الاستثمار الاقتصادي الكبير خارج الحدود، والتركيز على الحضور في مفاصل هامة، مثل الاستثمار في ادارة الموانئ الاستراتيجية. وتميز استثماراتها في البلدان العربية خاصة بالطابع الخدمي الذي يركز على جني الأرباح السريعة على حساب بناء اقتصاد حقيقي وواقعي. بل ممارسة نوع من التخريب والتآكل البطيء في تلك البلدان ليس اقتصادا فقط وانما أشخاصا ايضا.
2 ــ المستوى العسكري: ويتمثل في بناء القواعد العسكرية، ومنها قاعدة عسكرية في جزيرة ميون الواقعة بين اليمن وجيبوتي، وقاعدة عسكرية في مدينة بربرة الصومالية وأخرى في مدينة عصب الارتيرية. بهدف تعزيز سيطرتها على مضيق باب المندب، والتوسع في القرن الأفريقي. حيث تتلاقى مع الاجندة الإسرائيلية في تلك المنطقة. هذا إضافة الى شركات الامن، والدخول كشريك في الصناعات العسكرية في بلدان عربية. ناهيك عن اشعال الحروب والدخول في حرب اليمن. كل ذلك وجيشها جيش هجين يتكون من جنسيات متعددة ومختلفة.
3 ــ المستوى المجتمعي: ويتجلى في التركيز على بناء منظمات مجتمع مدني في دول عربية عديدة، يكشف التدقيق في برامجها عن عملية تخريب منظمة للوعي، وكذلك محاولة استقطاب أكبر عدد ممكن من المثقفين العرب والمبدعين وربطهم بعجلتها، عن طريق الكم الهائل من الجوائز ودعوات المشاركة في مؤتمرات وندوات شكلية. إضافة الى النهم في امتلاك الفضائيات والأندية الرياضية.
4 ــ المستوى التطبيعي: التطبيع: ويتمثل في الاقدام على خطوات تطبيع متلاحقة تبدو في الظاهر كأحداث متفرقة، ولكنها في الجوهر تتساوق والمفاصل الثلاثة المشار اليها، ولكنها متقطعة وترتبط غالبا بمناسبات يتم التبرير لها، لكنها في مجملها جعلت من الحضور الإسرائيلي في الامارات امرا مألوفا وعاديا حتى ان بناء معبد يهودي على أراضيها لم يثر أي انتباه.
رابعا: الوجه السافر للوكيل الوظيفي.
لم يمر وقت طويل على توقيع الاتفاق الاماراتي الإسرائيلي، حتى كانت الامارات قد ذهبت الى الحدود القصوى في العلاقة، كاستكمال علني ومركز للمستويات الثلاثة التي سبق الإشارة اليها، الامر الذي يتبدى من خلال اشكال وانماط الاتفاقات اللاحقة لتوقيع الاتفاق في ثلاثة مستويات أيضا:
أولا: مستوى الوعي:
حيث لامست في هذا الجانب كل ماله تأثير على وعي الانسان ومفاهيمه بشأن رؤيته لإسرائيل. حيث بدأ المشهد بإضاءة برج زايد بالعلمين الاماراتي والإسرائيلي، ليمر الى توقيع اتفاقيات التعاون في كل المجالات ذات العلاقة بوعي الانسان ومدركاته. من السينما والبحث، الى بث الحلقات المشتركة بين تلفزيون دبي والقناة العاشرة الإسرائيلية، الى زيارة وزيرة الثقافة للبيت الإسرائيلي راجية ان يقبلوها كطالبة لتتعلم التقاليد اليهودية. وزيارة وزير خارجيتها لمتحف المحرقة في المانيا، وذرف الدموع هناك والوعد بان المحرقة لن تعود ثانية. وكذلك انتاج أغاني تتغنى بإسرائيل وتمجدها وتدعو الى زيارة تل ابيب. وإلزام الفنادق الإماراتية بتقديم الطعام اليهودي التقليدي. وقد ترافق ذلك مع عملية تهويد كبرى للجزيرة العربية في المحتويات المنشورة، ومحاصرة المحتوى الفلسطيني في مواقع التواصل الاجتماعي. وغير ذلك الكثير.
ثانيا: مستوى المادة:
وهي القضايا المتعلقة بالاقتصاد وخطوط المواصلات والبنية التحتية، حيث وقع اتفاق بين بنك ابوظبي وبنك لئومي الإسرائيلي، واتفاق بين مجموعات شركات إماراتية وإسرائيلية يتضمن فتح فروع في البلدين، واتفاق لمنع الازدواجية الضريبية ـــ اتفاق يتعلق بالبورصة، والاستثمار في الأندية الرياضية الإسرائيلية، وعلى مستوى المواصلات مرور طيران الامارات عبر الأجواء الإسرائيلية والقيام بثمانية وعشرين رحلة جوية شهريا بين مطاري بن غوريون وأبو ظبي، وكذلك وصول بواخرها الى ميناء حيفا. ومن اللافت الاستثمار الاماراتي في مشاريع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة تساهم في حصار القدس وتهويدها.
ثالثا: سقف السيطرة:
كل ما يتعلق بالقضايا العسكرية حيث تم الذهاب مباشرة لإقامة قواعد مراقبة عسكرية في ارض اليمن وتحديدا في جزيرة سوقطرى. وترتيب حضور إسرائيلي هناك. وهو امر لا ينفصل عن خطوات سابقة.
تكشف الاتفاقات الموقعة عن ان الامارات قد مضت في ذات الاتجاه الذي سارت عليه سابقا قبل توقيع الاتفاق، لكنها انتقلت في مسارها من عمليات التطبيع المتفرقة الى كيفية جديدة اخذت صيغة السياسة الرسمية الممارسة، بما يتجاوز حدود الامارات والهادفة الى فتح الباب لإسرائيل للتغلغل في المنطقة العربية.
خامسا: المهام المستقبلية للوكيل الاماراتي الوظيفي:
السؤال الذي يطرح نفسه هل سيقف دور الامارات عند هذا الحد؟ الإجابة المنطقية تقول ان الخطوة القادمة تتمثل في نقل وتعميم ما قامت به على المستوى الإقليمي، وذلك في سياق تجسيد الامبريالية الإقليمية الإسرائيلية. وفي هذا الصدد يمكن ان نتوقع التوجهات الاتية:
1 ــ العمل على تغلغل الاقتصاد الإسرائيلي في الاقتصاديات العربية، عبر قنوات التمويل والقروض والشركات والمشاريع الإماراتية. ومن ناحية ثانية دعم الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال القيام والمشاركة في مشاريع تساهم وتدفع في هذا الاتجاه.
2 ــ التركيز على الانكشاف الكلي للأمن القومي العربي امام إسرائيل، من خلال تسلل الخبراء الإسرائيليين ضمن الطواقم الإدارية للموانئ استثمرت فيها والقواعد التي بنتها الامارات، بل والاطلاع الدقيق على الصناعات العسكرية التي تشارك فيها في بعض البلدان العربية. إضافة الى ذلك فتح المجال لإسرائيل للتمركز بالقرب من خاصرة إيران. وقد جاء قانون تجنيس رجال الاعمال والمستثمرين والموهوبين الذي أصدرته الامارات بعد توقيع الاتفاق ليطرح علامات استفهام كبيرة.
3 ــ العمل على جر دول عربية أخرى الى باحة التطبيع والانصياع للإرادة الإسرائيلية. والضغط على أخرى بل والانخراط في تفتيت دول أخرى. وفي هذا الجانب وعلى الرغم مما يبدو على السطح من طيب علاقات بين السعودية والامارات، فان العمق غير ذلك، لاسيما وان الامارات باتت تستشعر قوة تجعلها لا تقبل بجار كبير، وبينهما خلافات حتى فيما يخص ترتيب الحدود. وبالنسبة لمصر فقد كان لافتا كلام غانتس رئيس تحالف ازرق ابيض خلال طرح الاتفاق الاماراتي الإسرائيلي امام الكنيست للمصادقة عليه. أشار الى ان الاهتمام بالأمارات قد أدى الى تجاهل ونسيان مصر والأردن وعدم الاهتمام بهما، وطالب بالاهتمام بالبلدين الى جانب الامارات.
خاتمة
الخطوات التي قطعتها الامارات خلال اقل من شهر من توقيع الاتفاق خطوات نوعية كبيرة تؤكد ان الامارات تقوم بعمل بالوكالة لحساب طرف اخر يوفر الدعم والتغطية والضمان استعدادا لأدوار أكبر واوسع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق