سورية ليست في عين العاصفة، لكن العاصفة في قبضتها
عابد الزريعي
مدير مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء
تأتي الذكرى العاشرة لبدء الحرب العدوانية العالمية على سورية في لحظة مفصلية، تتعلق بالانتخابات الرئاسية السورية للعام 2021، وهي الانتخابات الثانية منذ عام 2011 تاريخ بدء الاحداث على الأرض السورية. وبالقدر الذي حملته الانتخابات السابقة التي جرت عام 2014 من دلالات هامة، الا ان هذه المحطة ربما تكون الأهم، لأسباب عديدة يدركها أعداء سورية جيدا، لذلك كانوا السباقين عن الكشف عما تنضوي عليه من أهمية مصيرية، بالإقدام على مجموعة من الخطوات التصعيدية طالت ثلاثة مستويات:
أولا: التصعيد السياسي: عادت الى الواجهة نغمة فرض العقوبات ذات الطابع السياسي، فمن ناحية اولى قامت بريطانيا، بأدراج ستة شخصيات بينهم وزير الخارجية فيصل المقداد على قائمة العقوبات، لدورهم في “قمع الشعب السوري”. حسب «دومينيك راب ” وزير الخارجية البريطاني. والترويج لإمكانية تجريد زوجة الرئيس من جنسيتها البريطانية، بحجة احتمال قيامها بالتحريض على عمليات تنتهك حقوق الانسان. كما قامت بتقديم مشروع قرار الى مجلس حقوق الانسان في جنيف، حول حالة حقوق الانسان في سورية. ومن ناحية ثانية استبقت الولايات المتحدة الامريكية اجراء الانتخابات، وحكمت بانها ستكون مزورة وغير شرعية. ومن ناحية ثالثة جرت عملية لملمة لما تبقى من معارضين لحشدهم في مؤتمرات ولقاءات اعلامية مرتبة. ومن ناحية رابعة تعددت التسريبات والاخبار الملفقة بان سوريا على وشك فتح علاقة مع الكيان. ومن ناحية خامسة اخذ الرئيس التركي اردوغان يردد نغمة اسقاط النظام وذلك في مقال نشره في صحيفة “بلومبيرغ” الأمريكية بمناسبة مرور 10 أعوام على “انطلاق الثورة السورية” وحث فيه ادارة بايدن “على الوفاء بوعودها والعمل معنا لإنهاء المأساة في سوريا”. وأضاف أن “الشعب التركي يؤمن بأن إقامة نظام سياسي قادر على تمثيل جميع السوريين ضرورة لإحلال السلام والاستقرار مجدداً”، موضحاً أن إعادة تأسيس السلام والاستقرار في سوريا مرتبط بالدعم الغربي الأمين لتركيا.
ثانيا: التصعيد الاقتصادي: لم يتم الاكتفاء بما الحقه قانون قيصر بالمواطن السوري، فتم الانتقال وبشكل سريع الى مرحلة خطف رغيف الخبز، ونهب المحاصيل الزراعية وسرقتها في وضح النهار، على يد عصابات قسد حينا، وعلى يد قوات الاحتلال الأمريكي حينا اخر. بل طال الامر استهداف وتخريب ناقلات النفط التي يعتقد انها متجهة نحو الموانئ السورية. اضافة الى الاستهداف المنظم للعملة السورية من اجل تكثيف الضغط على الاقتصاد بما يتعكس سلبا على حياة الشعب السوري.
ثالثا: التصعيد العسكري: كانت العملية الإرهابية الفاشلة في دمشق أحد العنوانين الدالة على هذا الاتجاه، الذي تبدى أيضا من خلال مسلسل هروب ارهابيي داعش من سجون قسد واعادة انتشارهم في البادية السورية. وترافق ذلك مع تكرار الغارات الاسرائيلية على سورية. وفي خضم هذه الاجواء دعي الرئيس التركي في المقال المشار اليه، اوروبا الى التدخل العسكري في سورية او تركه يتدخل تحت شعار مواجهة داعش وحزب العمال الكردي، والا سيطلق عليها جيشا من المهاجرين.
ان عملية التصعيد ثلاثي الرؤوس السياسية والاقتصادية والعسكرية، بما تحاول ان تخلقه من ضغط على قوت المواطن من ناحية، وارباكه على مستوى وعيه، فيما يخص موقف الدولة السورية من قضايا مصيرية من ناحية ثانية، وافقاده الحس بالأمان الشخصي من خلال العمليات الإرهابية من ناحية ثالثة، وتوظيف كل ذلك للضغط على صانع القرار السوري من ناحية رابعة، ليس له سوى هدف واحد، هو الدفع نحو تعطيل موعد المحطة الدستورية ولو ليوم واحد، للخروج بصيحة واحدة عنوانها ان سورية تعيش فراغا دستوريا، وان لاشرعية للرئيس وبالنتيجة إعادة خلط الأوراق من جديد.
مثل هذا الهدف يطرح سؤالا مفاده، لماذا يفعلون ذلك.؟ ولم يفعلوه في الانتخابات السابقة.؟ لقد كان الاعتقاد السائد في الانتخابات السابقة عام 2014، ان الشعب السوري قد انفض من حول دولته، لذلك هو كفيل بمعالجة الموضوع، لكن استطلاعاتهم التي أجريت في مخيمات النزوح في الأردن وفي المناطق الواقعة تحت سيطرة الإرهابيين، وزحف اللاجئين السوريين في لبنان على مقر سفارة بلادهم للإدلاء بأصواتهم فرض عليهم ابتلاع السكين والصمت، خاصة في ظل الوهم بان ثمة فسحة من الوقت تكفي لمعالجة الامر.
وبما ان عامل الوقت قد انحاز الى جانب الدولة السورية، التي تمكنت ورغم كل الضغوط والمعاناة والحصار من تجميع اوراقها، وتحصين اسوارها خاصة بعد قلع الشوكة المنغرسة في خاصرة دمشق “جماعة جيش الإسلام”. يضاف الى ذلك ان انتخابات 2021 تشكل بداية الولاية الثانية والاخيرة للرئيس الأسد، على ضوء نص دستور 2012 “يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة سبعة أعوام ميلادية تبدأ من تاريخ انتهاء ولاية الرئيس القائم، ولا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لولاية واحدة تالية”. وحتى لا تبقى الامور مفتوحة على احتمالات غير محسوبة، فان كل الظروف تؤشر الى ان الهجوم الاستراتيجي السوري، لحسم الصراع قد ان اوانه، وان موعد ما بعد الانتخابات الرئاسية يعتبر موعد مناسب بكل المقاييس. ومن اجل تعطيل هذا الهجوم فهم يرمون بكل الأوراق التي في جعبتهم، ما حدث حتى اللحظة قد يكون غيض من فيض مما قد يقدمون عليه، ولكن الأساس ان سورية ومثلما افشلت وتكيفت مع كل الضغوط السابقةـ باتت قادرة على افشال هذه الضغوط، حافزها انها عقدت موعدا مع ترسيم انتصارها. وهذا ما سيكون.