مقالات و دراسات

صفقة القرن بين العقبات الذاتية والموضوعية وإمكانية تحويل تحدياتها الى فرص

د. عابد الزريعي

مدير مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء

تمثل صفقة القرن أداة أمريكية إسرائيلية، لاستيلاد الفرص من رحم التحديات التي تنتصب امامهما. الامر الذي يجعل منها تحديا تاريخيا يواجه حركة التحرر الوطني العربية، يمكن ان تحوله الى فرصة تاريخية، إذا عرفت كيف تتصدى لها وتسقطها. وهي مسألة ليست مستحيلة إذا وضعنا في الاعتبار مجموعة العقبات التي تنتصب في طريق الصفقة، وتشكل مستندات فعل لحركة التحرر العربية تستطيع بالاستفادة منها ان تبني فرصتها التاريخية على أنقاضها. وفي هذا المقال سنحاول تحديد التحديات التي تطرحها الصفقة على حركة التحرر العربية والفرص الكامنة التي يمكن تحقيقها، ومجموعة العقبات الذاتية والموضوعية التي تعترض طريق الصفقة ويمكن الاستفادة منها في عملية التصدي لها.
أولا: التحديات والفرص:
تتلخص التحيات التي تفرضها الصفقة على حركة التحرر العربية، أولا في الإهدار الكامل للحقوق الوطنية الفلسطينية. وثانيا في تشريع وجود وهيمنة الكيان الصهيوني. وثالثا في التأسيس لخلق تناقضات مع إيران وإدخال المنطقة في صراعات مذهبية مزمنة. ورابعا في تكريس واقع التبعية للقوى الامبريالية وهيمنة القوى الرجعية على المنطقة وافلاس مشروع حركة التحرر العربية. وخامسا في إعادة انتاج الهيمنة الامريكية واحياء نظام الأحادية القطبية على الصعيد الكوني. اما بالنسبة للفرص التي تنضوي عليها، فترتبط بالمسار النضالي على طريق اسقاطها. وتتمثل أولا في تجذير وبلورة الوعي الجماهيري بحقيقة المشروع الصهيوني ومخاطرة على المنطقة العربية. وثانيا بلورة الوعي بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني. وثالثا في تعميق الوعي بدور القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية وبلورة الوعي بمعسكر الأصدقاء الذي نستند اليه في المواجهة مع تلك القوى. ورابعا في إعادة الحياة لمشروع ودور حركة التحرر العربية المرتبط بقضايا الامة المصيرية. وخامسا في المشاركة الفاعلة في تسريع ولادة وصياغة ملامح نظام عالمي جديد، الامر الذي يسمح بفتح افاق اوسع امام حركة التحرر العربية على الساحة العالمية. ان تحقيق الفرص يرتبط بإسقاط الصفقة. الامر الذي يطرح سؤالا جوهريا مفاده هل هذا ممكن.؟ ان الإجابة على هذا السؤال تتعلق بالقراءة الواعية للعوامل المساعدة الذاتية والموضوعية والتي تتبدى كعقبات تعترض طريق الصفقة والتي يمكن توظيفها والاستفادة منها في مواجهتها.
ثانيا: العقبات الذاتية المنبثقة من الصفقة
وهي العقبات المنبثقة من داخل الصفقة وفريقها وهي ثلاثة:
1 ــ عقبة المتزعمين: المتعلقة بالطرفين اللذين يقفان خلفها. وهما أمريكيا وإسرائيل، ويبرز موقفهما بصورة شخصية مرتبطة بكل من نتنياهو وترامب. وكلاهما يواجه مجموعة من المشاكل على المستوى الداخلي تثقل المصير السياسي لكليهما.
2 ــ عقبة الفريق: المتعلقة بتركيبة فريق الصفقة الذي شهد تبدلين ملحوظين، تمثلا في استقالة الموفد الاميركي الى الشرق الاوسط جيسون غرينبلات واقالة مستشار الرئيس الاميركي للأمن القومي جون بولتون. وقد حفزت استقالة غرينبلات المخاوف لدى مسؤولين اميركيين سابقين، بعدم كفاءة الفريق الممسك بملف الصفقة الامر الذي يفتح على مزيد من التعقيدات.
3 ــ عقبة المحيط: المتعلقة بقطاعات مجتمعية فاقدة لليقين بإمكانية النجاح في تمرير هكذا مشروع، الامر الذي عرى المشروع من قوة دفع مجتمعية أساسية وجعله وكأنه يحمل طابعا شخصيا. فاستطلاعات الرأي الإسرائيلية، تشير إلى أن 70% من الإسرائيليين يعتقدون أن خطة الولايات المتحدة المنتظرة لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ستفشل، كما عبر بعض المسؤولين عن عدم اهتمامهم بالخطة وصدرت تصريحات متعددة لزعماء إسرائيليين يرفضون الخطة من وجهات نظر مختلفة. وفي الولايات المتحدة الامريكية فقد قام 34 عضواً في مجلس الشيوخ الأمريكي بتوجيه رسالة إلى الرئيس ترامب عبروا عن عدم موافقتهم على خطته. وقد جاء استجواب السيناتور” كريس فان هولن، لوزير الخارجية بومبيدو في قاعة الكونغرس الأمريكي بتاريخ 9 ابريل 2019 حول صفقة القرن، ليؤكد وجود نوع من الرفض داخل الأوساط الامريكية للخطة.
4 ــ عقبة المضمون: والمتمثلة فيما تريد الصفقة تحقيقه من اهداف ذات طابع مصيري، يترتب عليها تغييرات حاسمة في تاريخ المنطقة وشعوبها، الامر الذي يولد مقاومة ومواجهة مصيرية في مواجهتها.
ثالثا: العقبات الموضوعية الإقليمية والدولية:
1 ــ البيئة الدولية: ويتعلق بالمواقف المعبر عنها في البيئة الدولية المناهضة للخطة. ويبرز في هذا الصدد موقف الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين كمواقف هامة وأساسية تتمثل فيما يلي:
اـــ موقف الاتحاد الأوروبي: يستند الموقف الأوروبي غير المتوافق مع الخطة الامريكية” صفقة القرن” الى قاعدة الحرص على أمن واستقرار الدول الأوروبية. والخشية من تضعضعه كنتيجة لعدم امن واستقرار المنطقة بسبب السياسات الامريكية. وقد تبدى الموقف الأوروبي في موقف النخب السياسية، فقد دعا 37 رئيس حكومة ووزير خارجية سابقون في أوروبا في عريضة للاتحاد الأوروبي، الى ان تقوم السياسة الاوربية على احترام المبادئ الأساسية للقانون الدولي. وفي الموقف الرسمي حيث أصدرت دول الاتحاد الأوروبي الأعضاء في مجلس الأمن بياناً مشتركاً بتاريخ 18 ديسمبر 2018 تؤكد على أن أي خطة سلام تتجاهل “المعايير المتفق عليها دوليا”.
ب ــ موقف روسيا والصين: يشكل الموقف الروسي والصيني عقبة رئيسة في وجه تنفيذ الصفقة، لاسيما وانهما يمثلان قوتين رئيستين من القوى الدولية الدافعة باتجاه بلورة نظام عالمي جديد متعدد القوى والاقطاب. ورفضهما للصفقة ينبع في جوهره من النظر اليها بوصفها شكلا من اشكال التفرد الأمريكي المعبر عن نظام الأحادية القطبية، لذلك فان مواجهتها تأتي في سياق أكثر شمولية نتيجة لارتباطه بمجمل المتغيرات الدولية الجارية في العالم. هذا إضافة الى ان روسيا والصين تعتبران جزءا من تحالف أوسع يضم عديد الدول في اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية قاعدته الأساس مجموعة البريكس. ويتأسس الموقف الروسي والصيني من الصفقة، على ان الحل العادل للقضية الفلسطينية هو الضامن لمعالجة الوضع في المنطقة برمتها، بينما يؤدي استمرار الصراع الى تسميم الأجواء الدولية العامة. وان هناك معايير للحل العادل منسقة ومعترف بها دوليا، من بينها قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومبادئ مدريد، بينها الأرض مقابل السلام، ومبادرة السلام العربية”. وقد انعكست رؤية البلدين في مواقف محددة منها:
1 ــ دعم وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في مواجهة المحاولة الامريكية لتقويضها. ورفض الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل: حيث اكدت الصين عبر بعثتها في الأمم المتحدة على الأهمية القصوى لقضية القدس بالنسبة لمفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ورفض عقد ومخرجات ورشة البحرين. فقد “أعلنت الصين أنها اتفقت مع روسيا على عدم المشاركة في “ورشة العمل” التي تستضيفها البحرين في إطار الخطة الأمريكية لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كما صاغت كل من الصين وروسيا تصورا والية لحل الصراع تبتعد بشكل كبير عن الصيغة الامريكية المطروحة. فقد دعت روسيا لحل جماعي يستند في جانب منه الى الآليات الدولية، المتمثلة في الرباعي الدولي (روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وابدى الاستعداد الروسي للتعاون مع الأوروبيين والأميركيين والأمم المتحدة والشركاء العرب، على حد سواء”. كما تبنت الصين رؤية لتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث سبق للصين وطرحت عام 2013 مبادة لتسوية كما أكد السفير الصيني في يوليو 2018 أن بلاده ستعيد طرح مبادرتها للسلام، ويشكل ذلك بديلاً عن صفقة القرن.
2 ــ البيئة الإقليمية: ويتبدى في ثلاثة مفاصل رئيسه يتعلق أولها بالموقف الفلسطيني وتشابكه في مقاومة الصفقة مع محور المقاومة والممانعة، بينما يتعلق ثانيا بالدول العربية التي راهنت عليها أمريكيا لتمرير الصفقة.
1 ـــ الموقف الفلسطيني: ويتجلى في الاجماع الفلسطيني الشعبي والرسمي المجمع على رفض الصفقة. ويشكل هذا الاجماع حجر عثرة رئيس واساس.
2 ــ الوضع العربي: ان الدول الداعمة للصفقة وتتزعمها دول الخليج العربي التي تراهن عليها الولايات المتحدة، يعاني من عدة إشكاليات تؤثر بشكل عميق في قدرتهما على انجاز المهمة المكلفة بها. بسبب الصراعات الداخلية التي تعبر عن نفسها في مستويين، اولهما الانشقاق الداخلي في مجلس التعاون الخليجي. وثانيهما الصراع بين دول الصفقة الامر الذي تجلى خلال الاجتماع الوزاري العربي الطارئ الذي عقد في الجامعة العربية، يوم 11 ابريل 2019. يضاف الى ذلك ان هذه الدول لم تتمكن من انجاز أي من المشاريع التي كلفت بها في المنطقة. كما تؤكد الوقائع التاريخية السابقة، أن توقيع الاتفاقيات مع طرف عربي ومهما كان لا يمثل امرا حاسما لتعميم حالة الاستسلام على البقية، فمصر أكبر دولة عربية وقعت اتفاقيات كامب ديفيد؛ لكنها لم تنجح في جرّ دول عربية أخرى. كما انها تتحسب لوضعها الداخلي المتحفز تجاه اية خطوة غادرة من قبل هذه الانظمة تجاه القضية الفلسطينية، الامر الذي ثبت خلال انعقاد ورشة البحرين الاقتصادية.
3 ــ المحور المناهض للصفقة: موقف محور المقاومة من الصفقة لاسيما وانه بات يمسك بعديد الأوراق الإقليمية. ويتسم هذه الموقف بكونه يشكل جزءا من موقف محور المجابهة الدولية المتكون من محور المقاومة ومعه روسيا والصين، بما يوفره ذلك من حالة تساند بين الموقعين الدولي والإقليمي في رفض هذه الصفقة.
ان تضافر العقبات الذاتية والموضوعية لا يسقط الصفقة بشكل آلي، ولكنه يوفر المناخ المناسب لنضال القوى المناهضة من اجل اسقاطها، بما يمكنهم من تحويل معركة الاسقاط الى معركة تجميع وحيازة فرص استراتيجية، تؤسس الى واقع يناقض تماما التصورات التي بنت عليها أمريكيا وإسرائيل طموحهما في إعادة صياغة المنطقة. لكن ذلك يفرض استيلاد شرطا برامجيا واضحا تبنى على أساسه عملية المواجهة وخوض معركة الاسقاط وتحويل التهديد الى فرص سانحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق