صفقة القرن بين الكارثة والفرصة
د. وائل الزريعي
يعرف خبراء الازمات، الازمة بكونها فرصة أو كارثة، اي أن من يستطيع أن يتعامل بفاعلية و تفكير خارج الصندوق ، يمكن أن يحول ازمته الى فرصة، و من لايستطيع قراءة المشهد و تبعاته، فهو يجر نفسه الى كارثة.
صفقة القرن أو صفعة القرن، هي الازمة الكارثة التي يقف امامها الكل الفسطيني، بمؤسساته، بفصائله، بداخله ، بشتاته. يقف أمامها و ظهره للحائط.ليعيد قراءة المشهد، هذه القراءة تتطلب وقفة صادقة مع الذات و تحديد و تعريف الاصدقاء و الاعداء. فالصديق احيانا ببعد فنزويلا و العدو أحيانا هو نفسك التي بين جنبيك، فلا وقت للمجاملات. ما وصل اليه الوضع الفسطيني، هو وليد مؤامرة دولية و تفاهمات التقت فيها اهداف الامبريالية ، مع اهداف و تطلعات الحركة الصهيونية.و لكن ذلك لم يكن ليتم، بدون مشاركة الرجعية العربية، و التي حاولنا مجاملتها، تحت عنوان الاخوة و الدم.هذه الرجعية العربية لعبت و مازالت تلعب دور محوري في تثبيط طاقة الامة في مواجهة العدو الصهيوني.
الاعلان عن صفقة القرن لن يكون أخر كوابيس الشعب الفسطيني.و لكنه صفعة على الوجه، حتى نستيقظ من اضغاث احلام اوسلو. و أن نطرح بدائل وطنية لمواجهة العدو الصهيوني، هذه البدائل تقوم على رؤية واضحة و منهجية، لمواجهة هذا المشروع التوسعي، رؤية تقوم على قراءة علمية للصراع و لمواطن قوتنا و ضعفنا و لمواطن قوة و ضعف عدونا. ففي الوقت الحالي يسيطر الكيان الصهيوني ، على ما يقارب ٧٨ بالمئة من فلسطين التاريخية، المساحة التي يسيطر عليها هي اخصب اراضي فلسطين و أهم مواردها المائية. حدود هذا الكيان، كما يعرفها وايزمان هي كل الارض اللازمة لبقاء اسرائيل ، بالاضافة للامتدادات الضرورية للحفاظ على وحدة الارض و سلامتها. فنحن نتحدث هنا عن دولة عائمة الحدود، تتمدد كلما توفرت الظروف و تنكمش كلما كانت الظروف غير مواتية، فالبنسبة لاسرائيل الاستيلاء على الاردن بضفتيه مسلمة سياسية، جاهزة للتنفيذ حالما تسنح الفرصة، كما يعتبر الاستيلاء على منابع المياه في الشمال في سوريا و لبنان ضرورة استراتيجية للبقاء و استيعاب المهاجرين. اذا جغرافيا نحن نتحدث عن دولة مساحتها التقريبية ٧٠ الف كليومتر مربع، بالاضافة لفضاء اقتصادي للتوسع ، و فضاء يحقق الامن لهذه الدولة على حساب الدول المحيطة. فلسطينيا نحن نتحدث عن حلم دولة تحول الى كابوس، عن منظمة تحرير لم يبقى فيها من التحرير سوى اسمه، عن سلطة حكم ذاتي، بدون حدود واضحة، مساحة غير مرتبطة جغرافيا، اغلب السكان في الشتات، غياب تام للسيطرة على الموارد و المنافذ و العوائد، يضاف الى ذلك انقسام يزيد من عمق الجرح.
لكن العدو الصهيوني أيضا يعيش ازماته، يعيش أزمة الغدة السرطانية في الجسد المريض و التي تبقى مهددة ، بان ينفض هذا الجسد وهن المرض و يستجمع قواه للمواجهة في معركة حياة او موت.
فالكيان الصهيوني بجغرافيته و تركيبته الديموغرافية ، يعيش أزمة وجود في ظل عوامل ضغط عديدة، كان يدركها مؤسسوا هذا الكيان من البداية و لذلك ربطوا وجوده بدور وظيفي في خدمة القوى العظمى و على رأسهاالولايات المتحدة.الا ان امريكا لا يمكنها ان تبقى محافظة على دور الراعي الرسمي لدولة الاحتلال، في ظل المتغيرات الدولية و صعود قوى جديدة. على الصعيد الديموغرافي بقاء الكيان، مرتبط بتركيبته الديموغرافية و التي تعاني من اختلال لصالح الوجود العربي، يضاف الى ذلك تضخم اقتصادي كبير، تفاوت معيشي و طبقي، اعتماد على المعونات، عدم القدرة على الاندماج في المحيط الطبيعي كاي دولة، فعلى الرغم من اتفاقيات السلام الموقعة و الاختراقات هنا و هناك ، لم تستطع اسرائيل ان تجد لها مكانا في المنطقة. فكان مشروع الشرق الاوسط الكبير لتكون اسرائيل /دولة شرق اوسطية/. و كانت صفقة القرن للاجابة على تحدي الجغرافيا و الديموغرافية و الاقتصاد، ليحل الرخاء الاقتصادي محل السياسة و التاريخ و ليكون الشرق الاوسط الجديد ، طريق لتجديد الصهيونية.
السبيل لمواجهة صفقة القرن، هو الاستثمار في مواطن قوتنا و العمل على اضعاف العدو و محاصرته في كل مكان و ذلك من خلال الخطوات التالية/
يجب ان تضغط القوى الفلسطينية الحية، لعقد لقاء وطني يجمع جميع اطياف الشعب الفلسطيني في الداخل و الشتات للبت في مستقبل المؤسسات الفلسطينية او ادخالها للمتحف و خلق اطر جديدة قادرة على المواجهة الفعالة،
ضرورة العمل على طرق جديدة لطرح القضية الفلسطينية للعالم، كقضية انسانية ، و كاخر استعمار في العصر الحديث،
علينا ان نحمل المؤسسات الدولية مسؤوليتها عن الوضع الحالي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني،
يجب ان نخاطب الرآي العام الدولي بلغته و لسانه و منطقه ، لان افشل معاركنا كانت المعارك في المنابر قبل ان تكون على ارض الميدان،
العمل مع القوى الحرة في العالم لمحاصرة الكيان الصهيوني، في جميع الميادين الاكاديمية و الثقافية و الفنية،
يجب ان نعمل على التحصين الفكري للشعوب العربية و الاجيال القادمة، فهذا اخطر ميادين القتال مع العدو الصهيوني في المرحلة القادمة،
ضرورة العمل على رفع الروح المعنوية لشعوبنا العربية، في مواجهة الحرب النفسية و الخطابات الانهزامية للرجعية العربية،
العمل على تفنيد الرواية الصهيونية و تعرية تناقضات المجتمع الاسرائيلي للرآي العام العربي و الدولي،
العمل على الاستنزاف السياسي و الدبلوماسي للكيان الصهيوني في جميع المحافل.
و نختم بهذه الكلمة للجغرافي المصري جمال حمدان/ المواجهة تحتم علينا الاصطفاف معا، لمواجهة القادم ، فبقاء اسرائيل،، هو ضياع فلسطين و القومية و الوحدة و ضياع العرب انفسهم، لان العالم لن ينظر اليهم بعدها الا كامة من المستضعفين في الارض، مغلوبة على امرها، عاجزة لاتؤخذ جديا، و لامكان لها في التاريخ.