في ذكرى النكبة هل نحن على ابواب نكبة جديدة؟
وائل الزريعي
يشكل يوم الخامس عشر من شهر مايو، ذكرى سنوية مؤلمة تذكرنا بفردوسنا المفقود، اما للعدو الصهيوني فيشكل هذا الشهر في الرابع عشر منه، تحقق هدفه باقامة دولة ، على ارض فلسطين. على الرغم من ان ذكرى النكبة تمر علينا سنويا والشعب الفلسطيني يواجه جميع انواع المؤامرات التي تستهدف وجوده والتي تتضافر فيها قوى الشر ممثلة في دولة الاحتلال و القوى الامبريالية لتركيع شعبنا الفلسطيني، فهذا العام تأتي الذكرى مترافقة مع تحدي وجودي جديد لتصفية القضية الفلسطينية. هذا التحدي الذي يحمل اسم صفقة القرن، والذي يمثل ذروة المشاريع التصفوية للقضية الفلسطينية، لكن بقدر ما رؤيتنا لهذا التحدي ضبابية و مرتبكة و ارتجالية، بقدر ما رؤية العدو واضحة و محددة، فهل نحن على ابواب نكبة جديدة، لنجيب على هذا السؤال علينا ان نعود بعجلة الزمن الى نكبتنا الاولى، لعلها تعطينا اجابة.
اذا حاولنا ان نعود للسياق التاريخي والاحداث، قبل النكبة سنكتشف ان ما حدث ، كان محتم فقد كان الوطن العربي الخارج منهكا من ظلمات الحكم العثماني ، خارج التاريخ، و غير مستعدا لاستيعاب، التغيرات السياسية العالمية ، و مستقبل العالم الذي ترسمه القوى الكبرى، و التي لم تنسى ان تفرد للمنطقة العربية مساحة كبيرة، على خريطة تقاسم تركة الإمبراطورية العثمانية، فتم الاتفاق على اقتسام جغرافيا المنطقة العربية. هذه الجغرافية هي قدرنا الذي لا مفر منه، فمنذ مطلع التاريخ و بروز الصراعات، بين الامبراطوريات لحكم هذا العالم، كان الوطن العربي جزءا من المعادلة و اذا لم يكن في دائرة الفعل فهو المفعول به، و هو قدر الجغرافية و التاريخ.
وضع كيان خارجي، في قلب المنطقة العربية، كان لنابليون السبق في التصريح به، استرضاءا لليهود، لدعم حملاته بالأموال، لكن بريطانيا هي التي لعبت دورا اساسيا في تجسيد هذه الفكرة كما عبر عنها وزير خارجيتها كامبل عام 1908، بان هناك حاجة لوضع كيان يفصل عرب الشرق، عن عرب الغرب، هذه الرؤى لم تكن لتتبلور، دون عمل الحركة الصهيونية، والتي بدأت في وضع مشروع انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين بجدية، بعد مؤتمر بال بسويسرا كتطبيق لما طرحه تيودر هرتزل في كتابه دولة اليهود، كحل للمسألة اليهودية. لقد نجحت الحركة الصهيونية، في ايجاد الرابط، بين مخططاتها لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، و الرؤية الاستعمارية الغربية لمستقبل المنطقة العربية خصوصا بعد سقوط الامبراطورية العثمانية، عبر تسويق الحركة الصهيونية لنفسها، ككيان يمكن ان يقوم بدور وظيفي لحماية مصالح الامبريالية الغربية، وفقا لرؤية استراتيجية، تقوم على ضرورة ابقاء المنطقة العربية ، تحت سيطرتها. ما حدث بعد ذلك، كان تحصيل حاصل، فمع زيادة التجمعات الاستيطانية و الهجرة اليهودية، خلال فترة الانتداب البريطاني، وعلى الرغم من الانتفاضات الشعبية و الثورات و اهمها ثورة البراق و ثورة 1936، الا ان المخطط الذي وضع نواته تيودر هرتزل واشرفت عليه الوكالة اليهودية ، كان يتقدم بثبات ، من خلال خلق البؤر الاستيطانية، توفير التمويل، اعداد الكادر البشري للدولة القادمة، و بناء تحالفات استراتيجية، قابلة للنقض اذا تناقضت، مع المشروع. مع تسارع الاحداث وبداية تشكل النظام الدولي الجديد و صدور قرار التقسيم، كان العدو الصهيوني على اتم الاستعداد بالخطط والخطط البديلة ، كما يشير احد قادة منظمة الهاجاناه الإرهابية “اذا صدر قرار التقسيم لصالح العرب سنحارب و اذا صدر قرار التقسيم لصالحنا سنحارب” هذه القدرة على استشراف الوضع القائم و التحديات، للأسف لم تكن موجودة لدى الجبهة المقابلة، كان هناك سوء تقدير لقدرات العدو و الاعتقاد بان الجيوش العربية حديثة التكوين ستواجه عصابات او ميليشية ، و ستلقيها في البحر. هذه العصابات التي كانت في الحقيقة، أكثر كفاءة قتالية، بحكم مشاركتها في الحرب العالمية، وتمكنها من اساليب الحروب الحديثة، أضف الى ذلك التسليح المتطور، والاسلحة التي تم توفيرها بتواطؤا من قوات الانتداب البريطاني. فعلى الرغم من التضحيات التي بذلت من الشعب الفلسطيني والجيوش والمتطوعون العرب، الا ان المخطط كان أكبر من استيعابنا. كان المخطط يتطلب احلال المحتل، مكان السكان الاصليين، كما قضت امريكا واستراليا على الشعوب الاصلية، وهو ما يفسر المجازر الوحشية التي ارتكبت، للتخلص من السكان و الدفع بما يقارب 75 بالمئة من الشعب الفلسطيني خارج ارضه، فكانت النكبة. لا يستطيع احد ان ينكر صمود الشعب الفلسطيني و تضحياته، بعد النكبة، في سبيل استعادة حقوقه المشروعة، هذه التضحيات، نكاد نجزم انها، استطاعت حصار المشروع الصهيوني في فلسطين، و الذي لا يخفي ان مصالحه التوسعية في المنطقة، و التي لا يمكن ان توفرها جغرافيا فلسطين، فهو في حاجة لموارد مياه، لمساحات زراعية و لبناء التجمعات الاستيطانية.
الان ، بعد سنوات من اتفاق اوسلو، لم يعد مجالا للشك ان مخططات التسوية تحت شعار الارض مقابل السلام ، لم تزيدنا الا ضعفا و لم تزد العدو الصهيوني ، الا مزيدا من الوقت لتثبيت اقدامه على الارض و ابتلاع المزيد منها، مع الاعلان عن صفقة القرن، يمكننا القول ان الشعب الفلسطيني قد دخل ، واحدة من معاركه المصيرية مع الاحتلال ، فالأهداف الموضوعة للعدو واضحة و مرتبطة بجدول زمني، في ظل وجود ادارة امريكية، صريحة في عباراتها و دعمها للكيان الصهيوني، و الموقف الفلسطيني، منقسم، مرتبك، بدون خطة واضحة، ينتظر ما يفعل العدو، فاذا لم يكن هناك تحرك واع و جاد لمواجهة القادم، فان كل المعطيات الحالية لا تنذر الا بنكبة جديدة.