مرتكزات الوعي بيوم القدس العالمي في زمن الكورونا وصفقة القرن
عابد الزريعي
مدير مركز دراسات أرض فلسطين للتنمية والانتماء
تتميز مناسبة يوم القدس العالمي لهذا العام، بنوعية الأحداث التي تأتي في سياقها وتحف بها. فالمناسبة تأتي في الجمعة الموالية للذكرى الثانية والسبعون لنكبة فلسطين عام 1948، بكل ما تستدعيه من تفكير في الأسباب التي قادت اليها، والقوى التي انخرطت في صنعها، والاسئلة التي تفرضها، ومن بينها لماذا غُيبت الجماهير بشكل قصدي عن المواجهة.؟ كما تأتي في التاريخ الفاصل بين قرار الكيان الصهيوني ضم أجزاء من الضفة الغربية، وتاريخ انفاذ هذا القرار يوم 1 يوليو ــ تموز 2020، وذلك في إطار المشروع الأمريكي المسمى بصفقة القرن. كما تأتي أيضا في ذات اليوم الذي ابتدعت فيه مجموعة «جماعات الهيكل” تاريخا زائفا للقدس يتوافق حسب زعمهم مع ذكرى اكمال احتلالها بالتقويم العبري، ودعواتها المتتالية لاقتحام المسجد الأقصى بمجموعات من الصهاينة يوم 22 يوليو ــ تموز2020. اما على المستوى الدولي فالمناسبة تأتي في ظل حقيقتين ظاهرتين للعيان، تتبدى الاولى في حالة الارتباك التي يعيشها العالم تحت وطأة وباء الكورونا، الذي كشف بالملوس الوجه اللاإنساني لقوى الاستكبار العالمي. وتتبدى الثانية في احتدام الصراع الدولي؛ نتيجة استكلاب قوى الاستكبار في الدفاع عن مصالحها ومواقعها المنهارة؛ من اجل الاستمرار في فرض الهيمنة على العالم، دون ان تتورع عن استخدام اية وسيلة كانت. كل ذلك يضعنا امام حجم من التحديات المفروضة الماثلة للعيان وغير المسبوقة. الامر الذي يجعل من سؤال كيفية المواجهة سؤالا مشروعا وملحا وحاضرا بقوة. وبما يعنيه من ضرورة الخروج من دائرة الإغراق في توصيف المناسبة والتغني بها الى باحة تدبر الوسائل والأدوات لنتمكن من الصمود والانتصار. وتحقيق الغاية الأساسية التي مثلت الدافع الرئيس وراء تعيين يوم القدس العالمي.
ان الصمود والانتصار في هذه المواجهة يستدعي بالضرورة وضوح المرتكزات المحددة لوعينا بمعنى يوم القدس العالمي، وكذلك وعينا بمتغيرات الاحداث التي تجري حولنا، ومن خلال جدلية العلاقة بين المرتكزات كثوابت والمتغيرات يمكن ان نصوغ المهمة المباشرة الملقاة على عاتقنا في اللحظة الراهنة. هناك ستة مرتكزات للوعي بمعنى ودلالة يوم القدس العالمي، لا يمكن تجاوزها او تجاهلها إذا أردنا ان نكون في حالة انسجام مع الرؤية التي صاغها الامام الخميني رحمه الله عبر الدعوة التي أطلقها يوم 7 أوت ــ أغسطس 1979. وتتمثل مرتكزات الوعي هذه فيما يلي:
أولا: الوعي بمركزية القضية الفلسطينية: كاختيار سياسي وأخلاقي مصيري، يرتبط حكما بوعي التهديد المركزي للوجود الإنساني الذي يمثله الكيان الصهيوني.
ثانيا: الوعي التاريخي: بان القدس العالمي يمثل أحد تجليات الرد الاستراتيجي والذي جسدته الثورة الإيرانية، على عملية الاختراق الاقليمي التي حققتها اسرائيل بإخراجها مصر من جبهة الصراع. وبالنتيجة فان الاستمرار في احياء المناسبة، يعني الاستمرار في معركة الرد الاستراتيجي على العدو الصهيوني، أكثر من كونه احتفالا لمجرد الاحتفال.
ثالثا: الوعي بالصراع: ان الصراع بين الظالمين والمظلومين يشكل المعنى العميق ليوم القدس بوصفه دعوة للعمل من اجل هزيمة الظالمين، واستعادة الحق المسلوب ورفع الظلم القائم.
رابعا: الوعي بالوحدة: يمثل يوم القدس العالمي مناسبة لتأكيد وعي المستضعفين والمظلومين بوحدتهم والتقائهم على هدف واحد. ومناسبة لبلورة اشكال تنظيمية موحدة يلتقي عندها وفيها الديني والقومي والوطني والإنساني، وتتجاوز كل الاشكال والصيغ المذهبية والطائفية. وتمتد الى بناء التحالفات والجبهات العالمية المناهضة للإمبريالية وقوى الاستكبار.
خامسا: الوعي بضرورة العمل: ان يوم القدس ليس رفضا ونكرانا قلبيا للصهيونية فقط، ولكنه دعوة للعمل والممارسة الميدانية الفاعلة كذلك. وليس يوما للمقاومة الروحية فقط ولكنه مناسبة للوعي بضرورة المقاومة المادية وتوفير شروطها والياتها وبناء استراتيجياتها.
سادسا: ــ الوعي بالهدف: ان يوم القدس العالمي مناسبة تتجلى فيها ارادة المستضعفين وتتوحد نحو هدف محدد وهو القضية الفلسطينية، كعنوان رئيس للتناقض مع قوى الامبريالية العالمية. ومناسبة يكتشف المستضعفون في كل انحاء العالم من خلالها، ان كل خيوط استعبادهم تمر عبر ادامة احتلال فلسطين. لان العدو الذي يصادر حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في بلدانهم يستمد شروط بقائه من الانخراط في المنظومة الامبريالية والصهيونية التي تقف خلف استمرار مأساة الشعب الفلسطيني. وهنا نجد أنفسنا امام المرتكز الأول والأساس” الوعي بمركزية القضية الفلسطينية “. الامر الذي يحتاج الى الوعي العميق بالقضية الفلسطينية وخلفياتها ومسبباتها وأبعادها، بوصفها قضيته الأساس بشكل مباشر او غير مباشر. وارتباطا بذلك لا يمكن لإنسان ان يقول فلسطين ليست قضيتي الا إذا كان ظالما او خادما طيعا لظالم.
بالاستناد الى مرتكزات الوعي هذه، والامساك بحركة الاحداث من حولنا بأبعادها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وما تفرضه من تحديات مصيرية، يمكن القول ان المهمة السياسية والجماهيرية الملقاة على عاتق المستضعفين في اللحظة الراهنة تتبدى في اسقاط صفقة القرن، بوصفها تمثل تحديا وخطرا مباشر يستهدف تصفية القضية الفلسطينية كمدخل لتفكيك وإعادة تركيب النظام الإقليمي بما يؤمن الهيمنة الإسرائيلية. وذلك يستعي بالضرورة حصار التطبيع وقواه ومنعه من التقدم والانتشار على طريق اسقاط منظومته الفكرية والسياسية ومرتكزاته الاجتماعية، بوصفه أحد اليات تقدم صفقة القرن، والمنفذ الرئيس للكيان الصهيوني في عملية الاختراق الجارية في المنطقة.
ان انجاز هذه المهمة المركبة يستدعي بالضرورة توفير الدعم الثابت لمحور المقاومة والممانعة الذي يتصدى ببسالة لقوى الارهاب التكفيري والصهيوني. والذي يشكل صموده وانتصاره اهم أدوات تقويض واسقاط صفقة القرن. وذلك من خلال تجاوز حالة التشتت، وذلك بمبادرة ومباشرة مختلف القوى الجماهيرية الحية والفاعلة، بتشكيل جبهة موحدة تضم مختلف القوى الحية والقطاعات الجماهيرية الفاعلة للتصدي للمهام المطروحة وصياغة الاليات التفصيلية التي تضمن الاستمرار بفعالية في المواجهة حتى الانتصار.