مسيرة العودة الكبرى خطوة صحيحة على الأرض
د. وائل الزريعي
لا يمكن الحديث عن مسيرة العودة، دون الحديث عن مسارات عديدة في تاريخ الشعب الفلسطيني وعلاقته بالأرض، هذه الارض الذي زرعها الفلسطيني الأول منذ 8000 الآلاف سنة قبل الميلاد، لينقل الإنسانية من حياة الترحال والصيد، إلى حياة الاستقرار وبداية المدنية.
المجتمع الفلسطيني عبر تطوره و حتى النكبة، كان مجتمعا زراعيا بالدرجة الأولى، حيث شكلت النكبة عام 1948 شرخا في علاقة الفلسطيني بالأرض، ففي الوقت الذي سعت فيه الحركة الصهيونية إلى تحويل المرابي اليهودي، إلى مزارع من خلال المستعمرات الزراعية على ارض فلسطين ، او ما عرف بالكيبوتسات و التي سبقت النكبة، فقد سعت الحركة الصهيونية من خلال العصابات الا رهابية من الهاغاناه الى البالماخ، الى إحداث فصل و قطيعة ، بين الإنسان الفلسطيني و هذه الأرض، و هذا ما يفسر في جانب منه المجازر المرتكبة للتهجير، يكتب احد المنظرين للحركة الصهيونية” ينبغي ان يكون واضحا أن هذا البلد، لا يمكن ان يتسع لكلا الشعبين، اننا لن نحقق هدفنا ، اذا بقي العرب ، و الحل الوحيد يتمثل في إفراغ فلسطين و ليس ثمة وسيلة سوى نقل العرب الموجودين هنا الى البلدان المجاورة…نقلهم جميعا، ينبغي ألا تبقى قرية واحدة او قبيلة واحدة”
فترتب على ذلك لجوء الصهاينة إلى الإرهاب بصورة واعية. وخلال الفترة من عام 1948 إلى وقتنا الحالي تعرض ويتعرض الشعب الفلسطيني لنكبات وسياسة ممنهجة للتطهير العرقي.
في القدس سعى الاحتلال بجميع الوسائل لحشر الفلسطينيين في احياء صغيرة غيرة قابلة للنمو، او التطور الاقتصادي والاجتماعي، هذا بالإضافة للسياسات المختلفة، لتغيير التركيبة السكانية للمدينة، والاشكال المختلفة للتهويد.
في الضفة الغربية لا يختلف هذا الواقع، حيث يتبع الاحتلال نفس السياسات بالإضافة، الى هدم المنازل والتضييق على السكان بجميع الاشكال والوسائل واخرها، انشاء جدار الفصل العنصري، او ما يعرف بالجدار العازل.
في النقب تقوم سياسة سلطات الاحتلال الصهيوني على أساس تفريغ النقب من سكانه البدو، بتضييق سبل العيش أمامهم، بهدف مصادرة أكبر مساحة ممكنة من أملاكهم ومراعيهم، والحد من انتشارهم وتنقلهم.
في قطاع غزة وخلال سنوات الحصار المستمر تعرضت البيئة للعديد من الاضرار، مما ترتب عليه العديد من الخسائر على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. فوفق تقرير منظمة الأغذية والزراعة الفاو، فان إنشاء المنطقة الامنية العازلة في 2009 ادى الى تعذر الوصول الى 46% من الأراضي الزراعية في قطاع غزة، والتي أصبحت مهملة في أعقاب الدمار الذي أحدثه الجيش الإسرائيلي على طول الحدود الشمالية والشرقية مع إسرائيل حيث تشكّل المنطقة داخل المنطقة العازلة حتى 29% من أراضي غزة الصالحة للزراعة. وتربية الحيوانات منتشرة بكثافة في هذه المنطقة التي تتضمن عدة آبار. ونتيجة للتقييد الإسرائيلي، لا يستطيع المزارعون زراعة أراضيهم أو رعي قطعانهم داخل المنطقة العازلة. ولأنهم غير قادرين على تقديم العلف الطبيعي الكافي لمواشيهم، يضطر المزارعون إلى شراء علف الحيوانات بأسعار لا يمكن تحملها تقريباً. وحوالي 73% من الأسر القريبة من المنطقة العازلة يعيشون تحت خط الفقر، مقارنة بـ 42% من عدد السكان في غزة ككل. كما اعتبر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) في تقرير أصدره في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2011 حصار غزة البري والجوي والبحري “حرماناً من الحقوق الإنسانية الأساسية ومخالفةً للقانون الدولي تصل إلى مستوى العقاب الجماعي.” وأضاف التقرير “إن الحصار يفرض قيودا على تنقل المواطنين من غزة ، وعلى وصولهم إلى الأراضي الزراعية ومناطق صيد الأسماك حيث تحدد إسرائيل مدى ستة أميال فقط من شواطئ غزة للصيد مع العلم أن معظم قطيع السمك المهاجر يتواجد عادة على بعد عشرة أميال من الشاطئ. وعادة ما يتم الاعتداء على الذين تجاوزوا الحد بثلاثة أميال، كما أن هناك أثر بيئي للحصار على المياه التي يبحر عليها الصيادون، حيث تتلوث بخمسين مليون لتر من المياه العادمة كل يوم وذلك لعدم وجود خيار آخر لتصريفها. مما يصعب على سكان غزة إعالة عائلاتهم ويتسبب بتدهور جودة البنى التحتية والخدمات الأساسية في القطاع.
ادى الاضطراب في ادخال الوقود لقطاع غزة الى توقف محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، مما إثر على تسيير مرافق الصرف الصحي وترتب عليه زيادة مخاطر التلوث وانتشار الامراض المتنقلة عن طريق المياه.كما قام الاحتلال خلال الحروب المتكررة على قطاع غزة باستخدام العديد من الأسلحة المحرمة دوليا، كاليورانيوم المنضب.
في النهاية فإن سياسات الكيان الصهيوني تجاه أرضنا العزيزة، من القدس إلى الضفة إلى النقب هي سياسات تتم وفق برنامج استيطاني يهدف لتغيير وتزييف الواقع على الارض يوما بعد يوم مما يطيل من عمر هذا الكيان.
مسيرة العودة تأكيد على تجذر الفلسطيني في هذه الأرض
في الوقت الذي كان يتعرض فيه الشعب الفلسطيني لهذه الحملة الشرسة على الأرض، أتت مسيرة العودة الكبرى، في خضم تحولات جيوسياسية على المستوى الدولي، وسعي الإمبراطورية المتهالكة إلى فرض صفقة القرن، لتصحح المسار، ولترسم الطريق الصحيح للتحرير.
تداعيات مسيرة العودة على الكيان الصهيوني
بالنسبة للتداعيات، على العدو فليس هناك ابلغ مما يقوله العدو نفسه.
يقول الكاتب آري شبيط في مقاله: يمكن أن يكون كل شيء ضائعاً، ويمكن أننا اجتزنا نقطة اللا عودة، ويمكن أنه لم يعد من الممكن إنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وتحقيق السلام، ويمكن أنه لم يعد بالإمكان إعادة إصلاح الصهيونية وإنقاذ الديمقراطية وتقسيم البلاد.
إذا كان الوضع كذلك، فإنه لا طعم للعيش في البلاد، وليس هناك طعم للكتابة في هآرتس، ولا طعم لقراءة هآرتس. يجب فعل ما اقترحه روغل ألفر قبل عامين، وهو مغادرة البلاد. إذا كانت الإسرائيلية واليهودية ليستا عاملاً حيوياً في الهوية، وإذا كان هناك جواز سفر أجنبي، ليس فقط بالمعنى التقني، بل بالمعنى النفسي أيضاً، فقد انتهى الأمر. يجب توديع الأصدقاء والانتقال إلى سان فرانسيسكو أو برلين. الإسرائيليون منذ أن جاؤوا إلى فلسطين، يدركون أنهم حصيلة كذبة ابتدعتها الحركة الصهيونية، استخدمت خلالها كل المكر في الشخصية اليهودية عبر التاريخ.
جدعون ليفي الصهيوني اليساري، يقول:
يبدو أن الفلسطينيين طينتهم تختلف عن باقي البشر، فقد احتللنا أرضهم، وأطلقنا عليهم الغانيات وبنات الهوى، وقلنا ستمر بضع سنوات، وسينسون وطنهم وأرضهم. أدخلناهم السجون وقلنا سنربيهم في السجون. أننا نواجه أصعب شعب عرفه التاريخ، ولا حل معهم سوى الاعتراف بحقوقهم وإنهاء الاحتلال.
التداعيات على المستوى الدولي
إذا كانت النكبة عام 1948 قد مرت والعالم، خصوصا الغربي، يغض البصر، عن المأساة والمجازر التي تحدث على الا رض، بتواطؤ من القوى الكبرى، فمسيرة العودة فرضت نفسها، على اجتماعات البرلمانات الأوروبية، ومهرجانات السينما والجوائز الاكاديمية، وهي مؤشر لتضييق الخناق، على هذا الكيان، الذي وصفه أحد البرلمانيين، بدولة ارهاب.
التداعيات على المستوى العربي
أتت مسيرة العودة، في وقت على فيه صوت المطبعين والمتآمرين، على القضية الفلسطينية. ليسعي بعضهم بشتى الوسائل الى اسكات الأصوات الهادرة، على الحدود، لكن صدى الاقدام، ورائحة دماء الشهداء على الارض، وصلت الى الشعوب، ليكتب أحد الكتاب العرب، كنا نعتقد ان الفلسطينيين قد باعوا ارضهم، لنكتشف ان من باع الفلسطينيين، هو من روج لهذا الخطاب.
التداعيات على المستوى الوطني
قدمت مسيرة العودة، صورة جديدة من اشكال المقاومة المدنية الإيجابية، واثبتت للمتخاذلين، ان في الإمكان أحسن مما كان، كما خلقت تضامن وطني وصل صداه الى حيفا.
كيف نحافظ على زخم المسيرة
التأسيس لاقتصاد مقاوم
ان مسيرة العودة هي جزء من مسار الشعب الفلسطيني في سعيه نحو التحرر، لكن للحفاظ على زخم هذه المسيرة، يجب العمل على بناء اقتصاد مقاوم للحصار المفروض على القطاع، بالعمل على استغلال الطاقات الداخلية للقطاع ولتوفير عوامل القوة والاستمرارية، اللجوء الى الطاقات المتجددة كبديل لمشكل الطاقة التقليدية، الاستثمار في الزراعات التي تحقق الاكتفاء الذاتي، الاستثمار في المزارع السمكية، تحلية مياه البحر، لحل مشكل توفر المياه العذبة. فمن الضروري اشراك جميع فئات المجتمع في هذه الحركة الاقتصادية والاستفادة من كافة الامكانات والمهارات والابداعات الموجودة لدى مختلف فئات الشعب بما في ذلك العلم والمعرفة والرساميل وكلها عناصر مؤثرة في حركة الاقتصاد الداخلي. والسعي لتحقيق الامن الغذائي للقطاع. وليكن الشعار لنلقي حجر ولنزرع شجرة.
تنويع اشكال الحراك على الارض
الابداع الفلسطيني في مسيرة العودة لا يتوقف، لكن يجب تنويع وابتكار اشكال جديدة، تعكس إنسانية هذه القضية، لتزيد من التضامن العالمي مع الحق الفلسطيني، كما تزيد من ارتباك العدو. على سبيل المثال لا الحصر، تنظيم المسيرات بالزي الشعبي الفلسطيني بتنوعه، تنظيم مسيرات بلافتات تحمل أسماء وصور القرى المهجرة، تنظيم مسيرات تحمل صور الشهداء، الذين سقطوا في مسيرة العودة، والذين سقطوا عبر سنوات النضال الفلسطيني، تنظيم مسيرات لزراعة الأرض، تحديدا في المناطق الحدودية التي يمنع، على الفلسطينيين زراعتها، لتسليط الضوء على هذا النوع من الحصار.
تفعيل دور الشتات الفلسطيني
تشكل مسيرة العودة، لحظة تاريخية، لتلاحم أبناء الشعب الفلسطيني، لذا يجب العمل على التنسيق مع الشتات الفلسطيني، لتسيير مسيرات عودة رمزية، لتأكيد حق العودة للاجئين.
في النهاية، فان مسيرة العودة خطوة على الار ض، يجب ان يتبعها خطوات، حتى استعادة الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني وانا لمنتصرون.