المركز

يوم الأرض في ضوء معايير الفكر المقاوم

رضا لاغة عضو المكتب السياسي لحركة الشعب

ربما يتساءل البعض عن خلفية اختيار زاوية النظر التي تمزج بين احتفالية يوم الأرض والفكر المقاوم.فهل من ضرورة لهذا الدمج؟ ما سرّ هذا التلازم؟
وفق هذا التساؤل سيتم النظر إلى يوم الأرض ، لا بوصفه حدث تاريخي يتحيزّ ضمن لحظة محددة هي 30 مارس 1976 وإنما بوصفه ينتسب إلى المستقبل وفق أمانة الشهيد: أوصيكم يا إخواني أن تظلوا أوفياء للأرض.
الوفاء هنا ليس مجرّد أمنية تحدث عرضا في المستقبل، بقدر ما هو ثمرة تخطيط وتدبير لفعلنا في الواقع . وهو فعل موصول بالفكر المقاوم بعيدا عن محاولات التدجين والإنهاء والتصفية . لذلك أؤكد أن الطريق الصحيح للذود عن الأرض ، عن العرض ، عن فلسطين كل فلسطين يستدعي ابتداء الوعي بحقيقتين:
ـــ الأولى لا مجال للاعتراف بهذا الكيان الصهيوني الغاصب الذي اعتدى ولا يزال على وجود أمتنا العربية. وهو ما يعني الانخراط في معارك الممكن بدءا بالتصدّي وفضح كل مظاهر التطبيع الثقافي والاقتصادي وصولا إلى الانخراط في المقاومة المسلحة.
ــ الثانية إن عقيدة النضال العربي الفلسطيني في مواجهة المشروع الصهيوني لا تعني الوجود الفلسطيني/ الفلسطيني، وإنما هي معركة أشمل تنخرط فيها كل القوى العربية بحسب قدرتها وتخصّصها.
من هذا المنطلق يعزى اختيار عبارة الفكر المقاوم وليس المقاومة.على أن التمييز لا يتضمّن تفضيلا ؛إذ ليس فينا من يقدح في ما بذلته فصائل المقاومة الفلسطينية وقافلة الشهداء التي خضّبت بدمائها أرض فلسطين. ولكن نزوعنا نحو الحديث عن يوم الأرض وفق معايير الفكر المقاوم وليس المقاومة ، غاية نبررها ضمن المستويات التالية:
1 ــ نحن لا ننطلق من نظرة إيديولوجية أو مذهبية عمياء تتعصب لفصيل مقاوم بعينه دون سواه ، وإنما ندعم كل خيارات المقاومة التي تشتبك مع العدو الصهيوني، بما في ذلك المقاومة اللبنانية حزب الله . وهو ما يمثّل مناسبة لمزيد تجسير العلاقة بين فصائل المقاومة الفلسطينية تكتيكيا ولوجستيا وعملياتيا قصد تطوير الأداء والنجاعة.
2ــ إن عبارة الفكر المقاوم بما تحمله من عمومية تتضمن إحالة إلى تشكيل رؤية في التقدير السياسي وفق ذات المحددات التي تجعل من كل موقف سياسي مدعوم على الأرض برادع المقاومة ووفق ضوابط عقائدية تختزل في : الأرض لنا.
لأننا عندما نعرف أن مشكلة فلسطين هي مشكلة أرض مغتصبة وأن وجود الكيان الصهيوني على أي شبر من الأرض العربية هو اعتداء على الوجود القومي، نعرف بذات القدر أن إشراك الأجيال المتعاقبة من الشعب العربي ضمن هذا الصراع هو مسؤولية والتزام نضالي وعقائدي للنخب العربية؛ تجسيدا لوحدة الوجود القومي.
إن هذه المواجهة التي تتخذ أشكالا متنوعة تستفيد من صحّة الفهم لمشكلة فلسطين كصراع يدور بلا مواربة حول الوجود والمصير ومن القدرة على تمثّل إستراتيجية الكيان الصهيوني الغاصب التي قامت ابتداء على آلية التسلل والاختراق (1882 ـ 1917: من مؤتمر بال إلى وعد بلفور) ، ثم مرحلة التغلغل ( 1917ـ 1948) والتي لا تزال تجابه بإرادة التحدي الفلسطينية إلى غاية اليوم ( انتفاضة الحجارة1987 والأقصى 2000،وانتفاضة السكاكين 2015 والأمعاء الخاوية في سجون الاحتلال 2017 …)
أيها الأساتذة الأجلاء
لم يعد خافيا ، في حالة الوهن التي تسري في النظام العربي الرسمي الحالي، أن التآمر الدولي على أمتنا العربية في فلسطين يدور على إدخال العدو الصهيوني في نسيج المنطقة العربية عبر موجة تطبيع تفكك النسيج القومي مقابل تشكيل علاقات بينية مع دول عربية.ولكن هذه المرة ليست سرية بل علنية.
وتكمن خطورة هذه المرحلة في احتوائها على إستراتيجية لا تقوم على الردع العسكري فقط وإنما زيادة على ذلك سيطرة ثقافية وحضارية واقتصادية.
إن مرحلة التعايش السلمي ، ثقافيا وحضاريا واقتصاديا مع الكيان الصهيوني الغاصب ، هي أكبر طعنة يمكن أن توجّه لأهلنا في فلسطين .لذلك نحن نعتقد أنه ليس ثمة منزلة بين المنزلتين في الحديث عن الولاء لقضية فلسطين: مقاومة أو مساومة. وبين هذا وذاك يحدث الفرز بين قوى تقدمية وأخرى رجعية وبين نظام عربي رسمي وطني وآخر رجعي عميل.
وإزاء ما طرأ على الساحة العربية من أحداث تداعت فيها نظم وفق ما بات يعرف بالربيع العربي ، حريّ بنا أن نمتحن صلابة الفكر المقاوم. ففي خضمّ هذا السياق السياسي العربي المستجدّ اعتقدنا أن المفهوم يشير إلى الصيرورة المباشرة ذات الاتجاه المعادي للنظام العربي الرسمي نحو مزيد من الحرية ، نحو مزيد من تمثيل إرادة الشعب العربي كمقدمة في طريق تحرير فلسطين. جاء ذلك واضحا أثناء اندلاع الاحتجاجات الجماهيرية في كل الأقطار العربية. في تونس عندنا كان الشعار المركزي: الشعب يريد تحرير فلسطين.
لقد كان مفهوم الفكر المقاوم يسير بموضوعية نحو مزيد دمقرطة الدولة القطرية. اعتقدنا أن القيادة ستؤول إلى الشعب الذي بيّن في كل مراحل التاريخ أنه وفيّ لفلسطين.ولكن ألا ترون معي كيف أخذ الفكر المقاوم توجهات مناقضة لطبيعته ؟
لقد انشغلنا بمهمة تقويض مقوّمات ومقدّرات الدولة القطرية. صحيح أن معركتنا في تونس ظلت كلامية سجالية ولكنها في أقطار عربية أخرى بدت تكفيرية وممعنة في التدمير. فماذا كانت النتيجة ؟ تراجعت القضية الفلسطينية من سلم الأولويات في زحمة هذا الربيع العربي. يضاف إليها التحديات الصحية الراهنة بسبب تفشّي جائحة الكوفيد.
وبصرف النظر عن الموقف مما طرأ من أحداث تتباين من دولة عربية إلى أخرى ، في مستوى التقييم ؛ فإن الحصيلة التي لا مجال لإنكارها تقوم على المؤشرات التالية :
ــ هشاشة المشروع العربي وعدم قدرته على التصدي لعدوى التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني من قبل عائلات حاكمة : عمان ، الإمارات ، المغرب…اختارت الأمن والاستمرارية مقابل التفريط في الحق الفلسطيني .
ــ فقدان السند الاستراتيجي للدول الإقليمية الممانعة في المنطقة كفضاء حاضن للمقاومة: سوريا وليبيا والعراق.
ممن الواضح إذن أن ملامح إحياء ذكرى يوم الأرض رهين هذه الحقيقة. فعندما خرج أهلنا في عرّابة وسخنين وكفر كنّا منتفضين ضد قرار سلطات الكيان الصهيويني القاضي بمصادرة 21 ألف دونم من قريتي عرابة وسخنين . سقط الشهداء نعم ولكن أذعن الكيان الصهيوني للإرادة الفلسطينية . تلك كانت الرسالة:
1ــ تمسكوا بالأرض فهي عنوان ودليل هويتكم العربية الفلسطينية. ولن يتسنّى لكم ذلك إلا بأخلاق الشدة والفداء، أي الشهادة لأجل فلسطين. هنا تحديدا تبرز الحقيقة جليّة بدون مساحيق بدون برتوكولات التفاوض. فالذود عن الأرض يقوم على عقيدة الفكر المقاوم الذي يخطط ويعد العدة للاشتباك المستمرّ مع الكيان الصهيوني الغاصب.
2ــ إن معركتنا متجددة مع هذا العدو . فهي حرب كر وفر منفتحة على المستقبل إلى غاية استعادة الحق الفلسطيني وإكمال الوجود القومي المنقوص بما هو مسؤولية كل الأجيال العربية القادمة .
3ــ إن قضيتنا عادلة وستصمد ضد جرّافة الاحتلال الذي يحاول كنس تربة التاريخ.
أيها الأساتذة الأجلاّء
إن قضية فلسطين في النهاية هي قضيتنا المركزية ، لا تحسم بالرؤية النظرية وحدها وإنما هي جزء من المشروع العربي التأسيسي الذي يجب أن يتجسّد بمختلف تجلياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية. صحيح من المهم إنعاش ذاكرتنا ببطولات الفكر المقاوم ولكن شريطة ألا يتحوّل ذلك إلى مشهد فرجة. لأن مسؤولتنا تكمن في الحرص على مواصلته وتجديده في مواجهة الهجمة العنصرية لهذا الكيان الاستيطاني الغاصب الذي يهدد لا فقط فلسطين بل المصير والوجود العربي برمّته .
وإننا في حركة الشعب كحزب ناصري قومي ستظل بوصلتنا فلسطين ، لأن كل بوصلة لا تشير إلى فلسطين هي بلا شك عندنا بوصلة مشبوهة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق