125 على المؤتمر الصهيوني الأول (مؤتمر بازل) بين الاختلاق اختلاق إسرائيل سياسيا في بازل، وتاريخيا في الأقصر
عابد الزريعي
مدير مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء
يحتفل الصهاينة يومي 28 و29 أغسطس 2022 في “شتات كازينو” وفي مركز المؤتمرات في مدينة بازل، بالذكرى 125 لانعقاد مؤتمر بازل. بحضور أكثر من ألف يهودي من جميع انحاء العالم، وبإجمالي تكاليف تناهز 5.7 مليون فرنك (5.85 مليون دولار. ويتضمن الاحتفال تنظيم عرض في الهواء الطلق في احدى الساحات المركزية في المدينة التي شهدت في نهاية أغسطس 1897، وبمبادرة من تيودور هرتزل، انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول. ذلك المؤتمر الذي صرح هرتزل بعد انعقاده بأسبوع قائلا: “في بازل أُسّسْتُ الدولةَ اليهودية”. وأضاف “إذا قلت هذا بصوت عالٍ اليوم، فسيُثير ذلك الضحك لدى الجميع. ربما في غضون خمس سنوات، وبالتأكيد خلال خمسين عامًا، سوف يدرك الجميع هذا الأمر”. وقد كان ذلك هو الاختلاق السياسي لإسرائيل، الذي دفع رالف لوين، رئيس الرابطة السويسرية للجاليات اليهودية الى القول عن مدينة بازل بانها «تُعتبر مسقط رأس دولة إسرائيل اليهودية”. لكن الحقيقة ان تلك اللحظة كانت في جوهرها اختلاقا سياسيا على الورق تكفل به هرتزل دون ان نتغافل عن دور القوى الاستعمارية، لكن الاختلاق السياسي استدعى بدوره اختلاقا للزمان التاريخي والمكان الجغرافي. وهو الامر الذي تكفل به عالم الاثار الفرنسي فلاندر بتري. الذي تلخص دوره في توقيت إعلانه عن اكتشاف مسلة مرنبتاح التي شكلت منطلقا لأغلب الابحاث التي تدور حول الاصول التاريخية لإسرائيل القديمة وطابعها الاثني وديانتها. سواء تلك التي تنطلق من اثبات أو نفي حقيقة وصحة ذكر اسم «إسرائيل ” في ذلك النص المصري القديم الذي كتب ببنية ايقاعية شعرية لتسجيل حملة مرنبتاح في الجنوب الشرقي عام 1209 قبل الميلاد. (MICHAEL G. HASEL 2008. p47 فماهي حكاية الفرعون والمسلة وأين يكمن دور بتري.
الفرعون: مرنبتاح هو فرعون من السلالة التاسعة عشر حكم مصر من 1225 حتى 1215 ق.م. وهو الابن الثالث عشر لفرعون مصر الملك رمسيس الثاني الذي حكم مصر لمدة 55 عاما. وقد تسلم في السنة الاربعين من حكم والده قيادة جيش مصر. وعندما توفي والده وهو في الثامنة والاربعين من عمره لم يكن هناك من ينافسه على العرش، لاسيما وانه كان يمثل القوة الحقيقية في مصر خلال العقد الأخير من حكم ابيه. وخلال فترة حكمه كان عليه مواجهة عديد المشاكل السياسية والعسكرية خاصة على حدود مصر الغربية مع الليبيين. Clarke–2013)) وقد ترك مرنبتاح ثلاثة تسجيلات تشير الى حملاته العسكرية المختلفة. وتمثلت تلك التسجيلات في 80 سطرا كتبت على حائط معبد امون في الكرنك. ومسلة كبيرة كتب عليها 35 سطرا واضحا ومقروءا في اثريب في الدلتا. وكذلك ما يعرف بمسلة النصر “مسلة نصر مرنبتاح” في المعبد الجنائزي على الضفة الغربية في الاقصر والتي كتب عليها 28 سطرا تخلد انتصاره على الليبيين. Clarke–2013)) اضافة الى جزء يتعلق بحملته على فلسطين وهو الجزء الذي اثار الكثير من البحث والجدل.
المسلة: اكتشفت بطيبة بالقرب من الاقصر بمصر العليا في عام 1896 م ، على يد عالم الاثار الفرنسي Flinders pétrée تحت رعاية ودعم صندوق استكشاف مصر الذي اسس عام 1882 واصدر مجلة الاثار المصرية، وكان من بين اهدافه ربط مرويات التوراة بمصر، بالاعتماد على المكتشفات الاثرية.(197 ـــ 198) وقد قام بمهمة بحثية حول معابد طيبة في ديسمبر من العام 1985م، وكانت حصيلتها كتابه” معابد طيبة الستة” ومن ضمنها معبد الكرنك الذي اكتشف فيه مسلة نصر مرنبتاح، وفي هذا السياق أشار الى ان مسلة مرنبتاح العظيمة قد نقشت على الخلفية الخشنة / الظهر الخشن/ لمسلة امنحتب الثالث، التي تم جلبها من معبده ووضعت امام الحائط الخارجي امام مدخل معبد مرنبتاح. وقد تطلبت التسجيلات الدقيقة الموزعة على أماكن عديدة من وجهها الخشن فحصا دقيقا. وذلك بالنسخ اليدوي لتلك التسجيلات، واخذ نسخة منها على ورق مضغوط، ثم اخذ صورة فوتوغرافية واحدة للمسلة وأخرى لصورتها المسجلة على الورق المضغوط. وتم طباعة نسختها المسجلة في Zeitschrift في سبتمبر 1896. (PETRIE, 1896, p. 26) ومن الملاحظ ان بتري وعلى الرغم من ان اكتشافه قد تم عام 1896 وانتهى من كل الفحوصات الفنية اللازمة في سبتمبر من العام ذاته، الا انه لم ي نشر نتائج اكتشافه الا في عام 1897 م، وهو العام الذي انعقد فيه المؤتمر الصهيوني الاول. وقد وصف ذلك بالاكتشاف الأكبر (PETRIE, 1896, p. 13) والجائزة الكبرى التي تمثل “واحدة من أقدم وأكمل التسجيلات عن إسرائيل قد باتت تحت الأضواء. (PETRIE, 1896, p. 2) وركز بشكل أساسي على سطر واحد فقط، وهو السطر الأخير المتمثل في جملة “لن تكون هناك بذرة لإسرائيل”. ومن الجلي ان مفردة “إسرائيل” الواردة في السطر وحتى تقرأ بهذا الشكل قد خضعت الى تزييف وتحوير لغوي وعبث بحروف الهيروغليفية المصرية، وهو الامر الذي بينه عديد علماء المصريات اللاحقين، بينما رأى بعضهم ان إسرائيل الموجودة داخل النص لا تتضمن اية دلالة تاريخية على وجود إسرائيل في ذلك التاريخ. لكن الأساسي في الامر ان توافق الإعلان مع انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول قد وفر تزاوجا بين السياسي والتاريخي الذي اعتمدت عليه الحركة الصهيونية في محاجتها حول شرعيتها.
العودة من جديد: توجد المسلة حاليا في المتحف المصري بالقاهرة تحت رقم 34025 (P20 j. murtagh) (Hershel 2012 p31 (MICHAEL G. HASEL 2008 p48). وهي عبارة عن قطعة من الجرانيت الأسود لا يزيد حجمها عن 3,8 متر ارتفاعا في 1، 63 عرضا. ص 1 Clarke–2013)) ويغطي الجزء الاكبر من الحجر نصا كتب بالهيروغليفية يحيط بها صورة منحوتة في الحجر تظهر الاله الاكبر امون رع في وضع يعرض السيف على مرنبتاح ويكلفه بالبدء بالقتال ضد البلدان الاجنبية. (P21 j. murtagh )3) لكن وعندما اعيد تنظيم المتحف المصري عام 2007 م، تم وضع بطاقة تعريفية أسفل اللوحة تحمل اسم ” لوحة إسرائيل” الامر الذي دفع كثير من المثقفين المصريين الى المطالبة بحذف تلك البطاقة. وقد حذر عالم المصريات بسام الشماع، من ان «أن كتابة اسم إسرائيل في الورقة التعريفية يفتح الباب أمام إسرائيل لتجد مساحة لكي تكون موجودة ضمن التاريخ المصري”. وفي عام 2017 أي بعد عشرة سنوات تم تكوين لجنة في المتحف المصري، قامت بدراسة الموضوع وأكدت على وجود خطأ في التسمية، وعلى ضوء تقريرها تم تغيير الاسم إلى لوحة انتصارات مرنبتاح، ووضعت بطاقة تعريفية أدق عنوانها “انتصارات مرنبتاح”. ومع ذلك خرجت بعض الاصوات النشاز التي اعتبرت هذا التصحيح شكلا من اشكال العبث بالتاريخ.
وختاما لا يحتاج الامر الى التأكيد على ان الصراع السياسي والعسكري مع الكيان الصهيوني والقوى الداعمة له، ليس الا صراع السطح، بينما هناك صراعا أكثر شراسة يدور في العمق بكل ما ينطوي عليه من عمليات التفاف على الوعي وحقائق التاريخ والجغرافيا بما يستدعيه ذلك من يقظة مضاعفة.