الأسُس العملية لتعزيز صمود أهل القدس في مواجهة نتائج قرار ترامب
عابد الزريعي
التقطت إسرائيل قرار الرئيس ترامب الذي ينصّ على نقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتبارها عاصمة لها. وعملت منذ لحظة صدوره وبشكل حثيث على تحويله إلى ربح صافٍ لصالح المشروع الصهيوني بشكل عام. واستغلاله كفرصة لاستكمال عملية التطهير الحضاري لمدينة القدس على طريق تهويدها بشكل خاص. ومن أجل الوصل إلى هذه الغاية تحرّكت وبشكل سريع على مستويين هما:
أولاً: على المستوى السياسي. حيث بدأت تتحرّك على عديد الدول من أجل إقناعها بالالتحاق بالخطوة الأميركية، ونقل سفاراتها إلى مدينة القدس. والترويج إلى أن القرار بمضامينه يؤسّس لمرحلة جديدة تفتح على إرساء السلام في المنطقة.
ثانياً: على المستوى العملي. وذلك باتخاذ الإجراءات والقرارات التنفيذية على قاعدة أن القدس وبموجب القرار الأميركي باتت عاصمة لها. ومن حقّها أن تصوغها بالشكل الذي تريد. وفي هذا السياق صادقت الحكومة الإسرائيلية على بناء 14 ألف وحدة استيطانية بعد يوم واحد من صدور القرار. ومن المتوقّع أن تمضي حثيثاً في هذا الاتجاه مُستهدفة القدس أرضاً وإنساناً وثقافة لإنجاز ما يمكن إنجازه على طريق تهويد المدينة.
على ضوء ذلك فإن هزيمة القرار الأميركي وإسقاطه، تستدعي مواجهته في الميدان الذي من المفترض أن يتجسّد فيه. ومنعه من إنتاج وتكريس مفاعليه في مدينة القدس بالتحديد. الأمر الذي يجعل من تعزيز صمود أهلها من أجل منع إسرائيل من الاستفادة المباشرة من القرار مهمة عاجلة وملحّة. ومن أجل توفير الأسس اللازمة لهذا الصمود نطرح دليلاً برنامجياً يسمح لجميع القوى الحيّة على المستويين العربي والإقليمي والدولي المساندة، بالمساهمة المُمكنة في توفير الدعم للاشتباك الفاعِل مع مشروع التطهير الحضاري الصهيوني في القدس. والذي بات أكثر ديناميكية بعد صدور القرار الأميركي. وتتلخّص المهام المُقترحة في سبعة مستويات هي :
1 ــــ المستوى الفكري والسياسي: اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية بالمعنيين السياسي والأخلاقي. بما يترتّب عليه من وعي التهديد الذي يمثّله الكيان الصهيوني كتهديد مركزي للوجود الإنساني بكافة تجلّياته. وإن نضال الشعب الفلسطيني يمثّل الحلقة المركزية في سلسلة المعارك الأخلاقية الكبرى في التاريخ المعاصر. والسعي لبلورة أشكال تنظيمية موحدة يلتقي عندها وفيها الديني والقومي والوطني والإنساني. وتتجاوز كل الأشكال والصيغ المذهبية والطائفية. وتتصدى لكل السياسات التي تساعد وتغطي على عملية التطهير الحضاري للقدس. ومنها القرار الأميركي بكافة مضامينة. وسياسة التنازل والتطبيع بشكل عام والتطبيع الديني وتطبيع الحج بشكل خاص ، والذي تستفيد منه إسرائيل في إضفاء موافقة إسلامية ومسيحية على سياستها.
2 ـــ المستوى الاقتصادي: ويتعلّق بتقديم الدعم المباشر لسكان القدس من أجل تعزيز صمودهم وقدرتهم على المواجهة. وذلك عن طريق إنشاء صندوق شعبي لدعم القدس. يتم تمويله بشكل أولي عن طريق اقتطاع جزء من أموال الزكاة باسم زكاة القدس. وعن طريق الوقف والتبرّعات الشعبية. وعن طريق إيجاد الوسائل لترويج منتجات أهل القدس في مختلف البلدان بإقامة المعارض والأسواق السنوية.
3 ــ المستوى الثقافي والاجتماعي والتربوي: أن تقوم المؤسّسات العربية ـــ الوزارات وغيرها ـــ بشكل منفرد أو بالاشتراك بدعم أحدى المؤسّسات المقدسية في مجال اختصاصها. سواء على مدى زمني متواصل أو مقطوع. كأن تقوم وزارات التربية والثقافة والصحّة بدعم مشروع ثقافي وتعليمي وصحّي. وهو أمر قابل للتطبيق على المؤسّسات النقابية وغيرها. إضافة إلى إدراج القضية الفلسطينية في المناهج الدراسية مع التركيز على مدينة القدس.
4 ــ على المستوى المؤسّساتي: إقامة علاقات توأمة بين المؤسّسات المقدسية بشكل عام ومنظمات المجتمع المدني بشكل خاص والمؤسّسات العربية والدولية النظيرة. على قاعدة دعم المؤسّسات المقدسية والدفاع عنها في مختلف المحافل في حال تعرّضها للمُداهمة والإغلاق من قِبَل الاحتلال.
5 ـــ المستوى القانوني: العمل على توفير الدعم القانوني لسكان القدس بالتنسيق مع منظمات حقوقية دولية مُناصِرة. والاستفادة من القرارات الدولية التي تعتبر جميع الأعمال التي قامت بها إسرائيل لفرض قوانينها وتشريعاتها وإدارتها على المدينة المقدّسة هي أعمال غير قانونية. خاصة قرارات مجلس الأمن الدولي عام 1971م / 1980 والجمعية العامة للأمم المتحدة 2006 . واللجنة الرُباعية في 19 آذار /مارس 2010. وكذلك التركيز على أن القرار الأميركي يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقدس. وتحديداً قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة واليونسكو.
6 ـــ المستوى الإعلامي: توحيد استخدام المُصطلحات الإعلامية ومُصطلحات الأماكن. تمويل حملات إعلامية لشرح المخاطر المُحدقة بالقدس. إنتاج برامج وأفلام تسجيلية تتناول التعريف بالقضية الفلسطينية بشكل عام والقدس بشكل خاص.
7 ــ على مستوى الأدوات: تشكيل اللجنة الشعبية العربية لحماية القدس. ووضع الأسس لبنائها على أسس سليمة وكصيغة بديلة للجنة القائمة بطابعها الرسمي العاجز والتي لم تقدّم شيئاً للقدس. ويمكن البدء بتشكيل اللجان الشعبية القُطرية لتندمج في نهاية المطاف كلجنة عربية يمكن أن تندمج بدورها مع لجان في بلدان إسلامية وغير إسلامية ، لتتشكّل كصِيَغ اقليمية ودولية.
ونختم بأن هذه المستويات السبعة قابلة للإغناء والتطوير.