الحراك الجماهيري الكفاحي في رسالته ومعناه ودلالاته، وفي المهام الوطنية المطروحة
بقلم: أبو فاخر/ أمين السر المساعد لحركة فتح الانتفاضة
* ينطوي الحراك الجماهيري الذي شهده قطاع غزة من خلال مسيرات العودة وكسر الحصار والذي جرى تتويجه في الرابع عشر من أيار في الذكرى الـ (70) لاغتصاب فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني بأهمية كبيرة نظراً للرسالة الوطنية التي حملها والأهداف التي حققها.
* لقد جاء هذا الحراك ليعيد استحضار قضية فلسطين بعد طول غياب وتغييب، فمنذ الأحداث التي شهدتها أمتنا العربية تحت عنوان (الربيع العربي) والحروب التي جرى شنها على الدول المركزية في أمتنا وعلى محور المقاومة، ومؤامرات ومخططات بث الفرقة والفتنة بين أبناء الأمة الواحدة، غرقت أمتنا بهمومها الداخلية وبالتحديات التي تواجه حاضرها ومستقبلها، وغابت قضية فلسطين عن الحضور، بل غاب معها اعتبار الكيان الصهيوني العدو الرئيسي الذي يستهدف الأمة ووحدتها ومكانتها، عند العديد من أطراف النظام الرسمي العربي، وبعض الاتجاهات السياسية المنخرطة في مؤامرة (الشرق الأوسط الكبير) مؤامرة التقسيم والتفتيت والتجزئة.
* ولقد جاء الحراك الجماهيري مؤخراً حراكاً صارخاً وقوياً ومميزاً، بعد سلسلة من التحركات والمواقف التي كان لها أيضاً شأن كبير في إعادة استحضار قضية فلسطين، بدءً من إضراب الأسرى، إلى مواجهة إجراءات العدو في القدس والمسجد الأقصى، إلى الحراك الانتفاضي الشبابي وملاحقة جنود العدو وقطعان المستوطنين، لكن أهميته جاءت في إطار صراعي وكفاحي في مواجهة المشاريع والحلول التي تستهدف تصفية قضية فلسطين والمعبر عنها بـ (صفقة القرن) المشروع الأميركي-الصهيوني.
* وأهميته، هو في التوقيت حيث بدأ الحراك عشية الذكرى الـ 70 لاغتصاب فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني، وعشية نقل السفارة الأميركية للقدس وفي تحد صارخ لمشاعر العرب والمسلمين في أرجاء المعمورة بما يعني الرفض القاطع لوجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، كل فلسطين، وهذه هي الرسالة التي عمدها الشعب الفلسطيني بدماء الشهداء والجرحى، لأمته العربية، وللعالم أجمع ، ولكن وبشكل أساسي للعدو الغاصب بأنكم غزاة مغتصبون، وأعداء، كنتم كذلك، وأنتم اليوم كذلك، وستظلون كذلك حتى يتم تحرير فلسطين ونشهد يوم اندحاركم عن أرض فلسطين كاملة، وإذا أراد الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية أن يجعلا من ذكرى النكبة يوم أسود حزين آخر في تاريخ الشعب الفلسطيني من خلال الاحتفال بنقل السفارة الأميركية للقدس، إلا أن صمود الشعب الفلسطيني قلب المشهد حيث تجلت الإرادة والتصميم على التمسك بالحقوق في مواجهة عدو قاتل ومجرم ومتوحش وعنصري باتت صورته الحقيقية أمام الرأي العام العالمي مكشوفةً.
* وأهمية هذا الحراك هو في مضمونه الكفاحي والصراعي، فالجماهير التي خرجت بالألوف بل بعشرات الألوف، خرجت دون أن تحمل سلاحاً وكل ما تحمله إطارات لإشعالها للتعمية على قناصة العدو،ـ وطائرات ورقية ملونة بلون العلم الفلسطيني، وعدم حمل السلاح أمر اقتضته ضرورات وموجبات إدارة الصراع، وهو أمر صحيح ودقيق، لكنه لا يعني أبداً الانتقال من مرحلة المقاومة المسلحة، إلى مرحلة المقاومة السلمية كما روج البعض، فالحراك الجماهيري هذا حراك كفاحي صراعي، وهو محطة من محطات نضال ومقاومة شعبنا الذي عرف أشكالاً عدة ابتدعها في مشوار ورحلة الصراع الطويل مع الأعداء الصهاينة الغزاة منذ بداية الغزوة الصهيونية على أرض فلسطين، والجماهير التي خرجت صوب السياج الفاصل (السياج الزائل) بإذن الله لم تكن تهتف (سلمية سلمية.. والله والله سلمية.. يا نتنياهو سلمية) بل كانت تقول باللحم الحي وبالدم الزكي فلسطين وطننا المغتصب وسنظل نقاومكم حتى تحرير الوطن ونستعيد الأرض وكامل الحقوق.
* الحقيقة التي لابد من التأكيد عليها أن الجماهير بهذا الحراك الكفاحي الهائل عادت لامتلاك زمام الأمور وزمام المبادرة، وهو أمر ليس غريباً على تقاليدها عبر سنوات الصراع الطويلة مع العدو، عادت لتتقدم الصفوف، لتحمي القضية، وتصون الحقوق، وأعادت لمرحلة التحرر الوطني التي يخوض الشعب الفلسطيني غمارها، اعتبارها ومكانتها بعيداً عن أوهام الحلول والتسويات ومقولات الاستقلال وبناء الدولة المزعومة، فالمرحلة مرحلة تحرر من عدو غاصب، والصراع ليس مطلبياً، بل له جذوره الممتدة بين شعب تعرض وطنه للاغتصاب، وجرى تشريده من أرضه، وعدو مغتصب يشكل أبشع أشكال الاستعمار الاستيطاني العنصري الذي عرفته البشرية، وهو صراع لا يتوقف إلا باستعادة الشعب الفلسطيني لكامل وطنه محرراً من دنس الصهاينة، وعلى هذا يتوجب البناء ومراكمة النضال.
* هذا الحراك وهذا الموقف وهذا الإصرار المعمد بالدماء، هو ما بات يقلق العدو الصهيوني، ويجعل الإدارة الأميركية ومشروعها التصفوي (صفقة القرن)، في مهب الريح ويجعل من التواطئ المذل من بعض الحكام العرب ووزرائهم وطابور الاختراق السياسي والإعلامي والثقافي الذي يدور في فلكهم مجرد أدوات صغيرة وحقيرة، عاجزة ومشلولة ومأزومة ومتهاوية مهما كابرت، ومهما لوحت بملايين الدولارات لزبائنها ليشتروا ضمائرها ويسيروا في فلكها.
* ولأنه كذلك في رسالته ومعناه ودلالاته فالحراك محاط ومستهدف ويواجه ثلاث مخاطر وتحديات
– خطر الانطفاء، بتركه عارياً وافتقاد البرامج الوطنية التي تضمن تعزيزه وتحصينه.
– خطر التوظيف السياسي في برامج ومشاريع لا تمت بصلة لأهداف الحراك ولا لدماء الشهداء والجرحى.
– خطر الالتفاف عليه من خلال تقديم رشوات ورمي (عظمة) يتلهى بها منظري الحلول والتسويات من خلال مشاريع وصيغ تضع السم بالدسم في محاولة يائسة للتضليل والخداع كسباً للوقت لحين الانقضاض من جديد على قضية فلسطين.
وهذا ما سعى إليه اجتماع وزراء خارجية بعض الحكام العرب الذين اجتمعوا في مبنى الجامعة العربية في القاهرة، وما سعت إليه بعض الأطراف المتنفذة في (منظمة التعاون الإسلامي) في اجتماعها في استنبول بضيافة أردوغان من خلال اجترار عبارات الإدانة للأعمال الإجرامية، والدعوة لحماية دولية للشعب الفلسطيني (وهذا لا يعني إلا الضعف والعجز والهوان والتنصل من المسؤوليات تجاه قضية فلسطين واتجاه القدس والأقصى، أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشرفين).
* ومن هنا السؤال الكبير هل الفصائل والقيادات الفلسطينية مستعدة لتعزيز الحراك وأهدافه وتطويره وحمايته من الأخطار التي تحدق به أو تكتفي بالتصريحات والتعليقات السياسية ويشبعون الأعداء بالسباب وكفى الله المؤمنين شر القتال.
* وأخيراً نؤكد أننا نراهن على شعبنا صاحب القضية، وصاحب الوطن، وصاحب الحقوق، نراهن على حسه الوطني، وتاريخه النضالي، وتراثه الكفاحي، فهو المعلم، وهو المرجع، وهو الذي يقول كلمته أخيراً بعد الاستماع إلى كل الكلمات، ويعلن موقفه أخيراً بعد التعرف على كل المواقف، هكذا كان على الدوام، وفي كل المفاصل وفي المنعطفات، يرفع صوته عالياً في وجه الغزاة ويعيد الأمور إلى نصابها والقضية إلى جذرها وجوهرها والحقوق إلى مكانتها.
* ونراهن على محور المقاومة وجبهة المقاومة المتسعة الذين يكتبون اليوم صفحات نصر ومجد، تعيد للأمة عزتها وحريتها وكرامتها ووحدتها.