الثورة الإيرانية في مواجهة الاستكبار العالمي من كامب ديفيد الى صفقة القرن
د.عابد الزريعي
مدير مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء
مدخل:
تأتي الذكرى 41 للثورة الايرانية في لحظة مفعمة بالدلالات والاشارات. بمجيئها على الخط الواصل مع اربعينية الشهيدين قاسم سليماني وابي مهدي المهندس. وطرح مشروع صفقة القرن. الذي يأتي متوافقا مع مضي 41 عاما على اتفاقيات كامب ديفيد. والمفارقة ان الثورة الايرانية التي كانت لحظة ميلادها في مواجهة مع كامب ديفيد، تجد نفسها في هذه اللحظة في مواجهة تحد جديد بذات المستوى. وإذا وضعنا في الاعتبار ان قوى الاستكبار العالمي كانت خلف المشروعين وان القدس في قلب عملية الاستهداف، نستطيع الربط بين عنوان المداخلة، وشعار الندوة.
اولا: الثورة الايرانية كإمكانية وضرورة إقليمية لحركة التحرر العربية.
ترتبط الثورات في التاريخ الانساني بجملة العوامل الداخلية الدافعة والمحركة، وتتخذ ضرورتها من تطلعات القوى الاجتماعية المتضررة من الواقع القائم، والمتطلعة للتغيير. كما انها تترك تأثيراتها على المحيط الاقليمي بنسب تختلف بين ثورة واخرى. وفي هذا الجانب تميزت الثورة الايرانية بكونها جاءت كضرورة اقليمية مثلما كانت ضرورة محلية داخلية. الفرق بين الضرورتين ان الداخل الايراني كان دافعا ومحركا، بينما كان الاقليم متطلعا لتلك اللحظة التاريخية. حيث اكان الواقع الاقليمي العربي تحديدا في خمسينات القرن الماضي ارتباطا بإيران الواقعة آنذاك تحت نظام الشاه، محاصرا بثلاثة استراتيجيات خانقة هي:
1 ــ استراتيجية شد الاطراف: كانت إيران خلال حكم الشاة جزءا رئيسا وفاعلا ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية المعروفة بشد الأطراف، أي بناء علاقات مع الدول المحيطة، وتوظيفها في إدارة الصراع مع الدول العربية وبشكل أكثر تحديدا مع حركة التحرر العربية.
2 ــ استراتيجية البوابات الثلاثة: حيث كانت إيران تمثل جزء رئيس في الاستراتيجية الامريكية التي ركزت على مراكز القوة التاريخية في المنطقة والمتمثلة في تركيا مصر إيران. والتي تشكل مثلثا جغرافيا يتكون قلبه من سوريا لبنان وفلسطين وعدد من دول الخليج. ويمثل حلقة وصل تربط بين القارات الثلاث الكبرى، تركيا بوابة لأوروبا، ومصر بوابة لإفريقيا، وإيران بوابة لأسيا.
3 ــاستراتيجية الاحلاف: كذلك كانت إيران جزء رئيسي الاحلاف التي تم تشكيلها كأدوات فعل لاستراتيجية شد الاطراف والبوابات الثلاث. ومنها حلف بغداد هو أحد الأحلاف التي شهدتها حقبة الحرب الباردة، وأسس عام 1955 وكان يتكون إلى جانب المملكة المتحدة من العراق وتركيا وإيران وباكستان. والحلف الاسلامي الذي وقف من خلفه الرئيس الأمريكي دوايت آيزنهاور في 1957، وكانت كانت أولى مهامه غزو سوريا.
وقد سعى الشاه، خلال سيطرته على إيران، للحصول على الدعم المباشر من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، مقابل تأمين مصالحهما في الشرق الأوسط، وكان قد اعترف بإسرائيل عام 1950. وفتح ابواب إيران للتغلغل الاسرائيلي سياسيا واقتصاديا واستخباريا وسمح لمكتب الوكالة الإسرائيلية في بلاده بأن يمارس نشاطه في جمع التبرعات من يهود إيران وتشجيعهم على الهجرة إلى أرض فلسطين المحتلة.
في ظل هذا الوضع كان مصير حركة التحرر العربية يرتبط بحدوث تغير ثوري في إيران او تركيا. وكانت إيران هي الاقرب للتصور لثلاثة اسباب اولهما ان مخاضها الثوري لم يتوقف، وكان الدكتور مصدق أحد علاماته، وثانيها ان تركيا كانت أكثر ضبطا من قبل الحلف الاطلسي الذي تنتمي اليه. وثالثها انها في حساب الامن القومي العربي لم تشكل تهديدا قياسا لمعاناته لخمسة قرون من الاحتلال التركي. لذلك عندما صاغ عبد الناصر نظرية الامن القومي العربي كان يرى الخطر قادما من جبال طوروس وليس من الهضبة التركية. وكان الاقدر على استشفاف الزخم الثوري في إيران، لذلك لم يتردد في مد يد العون لطلائع الثورة الايرانية القادمة على مهل. وقد وثق ذلك في أكثر من كتاب ومنها:
1 ــ كتاب (مدافع آية الله) محمد حسنين هيكل.
2 ــ كتاب «الإمام الخميني وجمال عبد الناصر» للمرجع والعلامة الإيراني سيد هادي خسروشاهي الملقب بحجة الإسلام.
3 ــ كتاب “عبد الناصر وثورة إيران”، “فتحي الديب” أحد أبرز جهاز المخابرات العامة المصرية، وسفير مصر في سويسرا في عام 1962، وكان مكلفا بالتنسيق مع الطلبة الايرانيين الدارسين في اوروبا.
ثانيا: الثورة الايرانية من امكانية الضرورة الى سيرورة الواقع:
جاء انتصار الثورة الايرانية في اقصى اللحظات حرجا على المستوى الاقليمي. وفي خضم تحديات كبرى تمثلت في الاختراق الاستراتيجي الذي حققه الكيان الصهيوني المدعوم من قبل القوى الامبريالية والرجعية العربية. والمتمثل في اخراج مصر من جبهة الصراع مع العدو الصهيوني. بزيارة أنور السادات للقدس المحتلة يوم 20 / 11 / 1977، وتوقيع اتفاقية كامب دافيد 17 / 9 / 1978 ثم توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26/3/1979م. الامر الذي يعني بالنسبة لإسرائيل نجاح استراتيجية شد الاطراف من خلال الامساك بالقلب وبالنتيجة الامساك بالبوابة الافريقية وفرض الحصار الاستراتيجي على منطقة الحوض استعدادا لاقتحامه. وقد جاء الانتصار ليسقط النظريتين من الناحية الواقعية.
لقد وعت الثورة الايرانية منذ لحظة انتصارها مسألتين في غاية الاهمية هما:
1 ــ ان كل استراتيجيات الاختراق وضغط الاستكبار العالمي في الاقليم ترتبط بوجود الكيان الصهيوني.
2 ــ ان نظرية شد الاطراف إذا كانت قد سقطت من ناحيتها، فسيتم العمل على اعادة احيائها من الناحية الأخرى.
على ضوء ذلك لم تترك فرصة لقوى الاستكبار للمراهنة على محاولة سحبها الى الاتجاهات التي يريدونها واتخذت مجموعة من الخطوات في زمن قياسي بالنسبة لأية ثورة. تتلخص فيما يلي:
أ ــ تحديد الاولويات: لم يكد الامام الخميني يصل إلى إيران يوم 1 / 2 / 1979، حتى كان القرار باستقبال ياسر عرفات في 17/2/1979 في طهران كأول ضيف من خارج إيران بعد انتصار الثورة. بما يعنيه ذلك من اعتبار القضية الفلسطينية تشكل اولوية اقليمية بالنسبة للثورة الايرانية.
ب ــ تحديد الهدف: وكان قرار رفع العلم الفلسطيني على مقر البعثة الاسرائيلية حيث أصبحت مكتباً لمنظمة التحرير الفلسطينية بما يحمله المعنى من رمزية عدم الاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني والتأكيد ان فلسطين هي ارض الشعب الفلسطيني. وبالمعنى الاستراتيجي ازالة الكيان الصهيوني.
جـ ــ المهام والوسائل: وكان اجتماع طهران في 10/4/1979م بين هاني الحسن وآية الله الطالقاني والاتفاق على تنظيم حملة سياسية وإعلامية في إيران لمواجهة اتفاقية السلام. ثم قرار الامام الخميني يوم 7 / 8 / 1979 بإعلان الامام الخميني عن يوم القدس العالمي. كدلالة على اشراك الجماهير فيما تم تحديده على مستوى الاولويات والاهداف.
وقد حي المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الخامسة عشرة، المنعقدة في ابريل 1981 دور الثورة الإيرانية في: “تعديل موازين القوى في الصراع العربي ضد العدو الإمبريالي الصهيوني المشترك في المنطقة”، وتعديل الخلل الحاصل بخروج مصر عن الصف العربي، وثمّن للثورة الإيرانية إحلالها العلاقة مع الشعب الفلسطيني وقضيته، محل العلاقة السابقة مع العدو الصهيوني والولايات المتحدة، ودعا إلى تعاون عربي- إيراني للتصدي للمؤامرات الإمبريالية.
ولذلك تعرضت إيران للحصار ومحاولة النيل من ثورتها على مدى 41 عاما من قبل قوى الاستكبار العالمي. والتي حاولت إضعافها ه وخنقها اقتصادياً تمهيداً لإذعانها وجعلت من شعار ” تعديل سلوك إيران”، عنوانا ثابتا على الاجندة الامريكية والإسرائيلية. ويصاغ هذا العنوان تحت شعار تهيئة المجال أمام تحقيق الاستقرار، ودعم الأمن الإقليمي، ومواجهة عوامل التوتر في منطقة الشرق الأوسط، مخفيا خلفه العمل على ضرب القوى المناهضة للمشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة. بشكل عام وإيران بشكل خاص انطلاقا من تصور امريكي يرى ان انهيار إيران سيجر خلفه انهيارا لبقية قوى المقاومة. بما يعنيه ذلك من عمل من اجل تفريغ الإقليم المتشكل عبر عملية التفكيك والتركيب من فكرة الصراع مع اسرائيل.
ثالثا: الثورة الايرانية وحركة التحرر العربية في مواجهة صفقة القرن
شكلت صفقة القرن رؤية استراتيجية امريكية لإعادة ترتيب المنطقة. وجعلت من التصادم بين إيران والنظام الإقليمي الذي تسعى لتشكيله على أنقاض النظام الإقليمي العربي امرا لابد منه. ومن اجل الوصول الى هذه النتيجة قامت بهندسة سياسية للعقل المتلقي حتى ينقاد مخدرا نحو التصادم المخطط له. ويقبل بصورة إيران التي يتم ترويجها ــ القبول بأية اجراءات ضدها ــ ويتكيف مع الاهداف التي يراد تحقيقها. فقد ورد اسم إيران في الشق السياسي لخطة ترامب15 مرة. وذلك ضمن ثلاثة سياقات:
1 ــ التهديد: إيران تشكل تهديدا وجوديا لأمن إسرائيل. ولاستقرار الدول العربية. فهي حسب وثيقة صفقة القرن تسعى إلى تطويق إسرائيل وتستخدم لبنان وسوريا وغزة، وتعمل على محاصرة المملكة العربية السعودية والعراق والبحرين واليمن. تأمل إيران في إنشاء “جسر بري” يمتد من الحدود الإيرانية العراقية إلى البحر الأبيض المتوسط. وأنشطتها تمثل تهديدًا وجوديًا للعديد من دول المنطقة.
2 ــ المصالح المشتركة: التهديد الثنائي يخلق مصلحة مشتركة بين اسرائيل والدول العربية لمواجهة ايران ، بدعم ورعاية امريكية. فحسب الوثيقة اكتشفت دولة إسرائيل والدول العربية بالفعل مصالحها المشتركة في مكافحة الجماعات والمنظمات الإرهابية والخطر المشترك الذي تشكله إيران التوسعية. دولة إسرائيل ليست تهديدًا للمنطقة على الإطلاق. تواجه هذه الدول أيضًا تحديات أمنية مماثلة في البحر المتوسط والبحر الأحمر. يجب أن يعملوا مع الولايات المتحدة لحماية حرية الملاحة عبر المضائق الدولية التي تتعرض بشكل متزايد لتهديد إيران وقواتها التي تحارب بالوكالة عنها والجماعات الإرهابية.
3ــ الاهداف: الهدف المباشر هو تغيير سلوك إيران ـالقضاء على محور المقاومة وحماية إسرائيل وتامين وتثبيت وجودها. اما الهدف غير المباشر فهو انجاح مشروع تفتيت المنطقة بما يؤمن هيمنة إسرائيل على أشلاء الدول العربية وبناء الشرق الأوسط الجديد.
خاتمة
يتلخص الاستنتاج النهائي بان صفقة القرن التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، كمدخل لتفكيك النظام الاقليمي العربي، وبناء نظام اقليمي جديد تشكل اسرائيل طرفا مهيمنا عليه، لتمضي ومعها القوى الرجعية العربية نحو التصادم مع الجوار الايراني. لذلك فان تعميق التحالف والتعاضد بين الثورة الايراني وحركة التحرر العربية وفي طليعتها قوى المقاومة بات قضية مصير. وكما كانت الثورة الايرانية ضرورة لحركة التحرر العربية. فإنها تشكل في هذه اللحظة التاريخية الحليف الضروري من اجل كسر قوى الاستكبار وتحرير فلسطين. عندها يصير السلام والازدهار ممكنا وليس ذلك الذي تروج له صفقة القرن.