مقالات و دراسات

حارس القدس يكشف زيف ام هارون ويمضي على طريق حتمية نبوءة النهاية

د. عابد الزريعي

مدير مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء

ليست الصدفة وحدها هي التي جمعت ثلاثة اعمال درامية على الفضائيات العربية خلال شهر رمضان المبارك. وحتى لو افترضنا ذلك وقلنا ان الواقفين خلف الاعمال الثلاثة لم يخطر ببال أي منهم ما يدور في خلد الاخر، وان الامر لا يتجاوز حدود محاولة كل صاحب عمل درامي عرضه خلال شهر رمضان الذي ترتفع فيه نسبه المشاركة الى حدود كبرى، تتميز هذا العام بلزوم الناس بيوتهم بحكم الحجر الصحي بسبب وباء الكورونا. وإذا كانت الصدفة في جوهرها ليست الا أحد تجليات الضرورة التي لابد ولا مهرب منها في لحظة تاريخية محددة، فما هي الضرورة التي تجلت من حلال عرض مسلسل حارس القدس على الميادين، ونهاية العالم على دراما وام هارون على M.B.C. بالطبع الى جانب كم هائل من المسلسلات التي تنضوي تحت سقف التهريج والتسلية والعبث بمشاعر الناس. هذا المقال محاولة لقراءة وتحديد بكل ما يحف بالأعمال الثلاثة، ضمن خمسة عناوين محددة.
أولا: التوصيف العام للأعمال الثلاثة:
1 ــ مسلسل “ام هارون” من بطولة حياة الفهد ونخبة من الممثلين في الخليج، تم تصويره في دولة الإمارات ويبث على قناة M.B.C السعودية. ويروي قصة ام هارون وهي طبيبة يهودية في أربعينيات القرن الماضي، تعاني واسرتها من مشاكل عديدة بسبب ديانتها اليهودية حسب المسلسل. ينطلق من تصوير العلاقات بين “المسلمين والمسيحيين واليهود في الكويت في الأربعينيات”، ليصل الى القول ان اليهود عانوا تمييزا في الكويت وفي” إسرائيل” بعد ذلك.
2 ــ مسلسل “النهاية” من انتاج شركة سينرجي، فكرة يوسف الشريف وسيناريو وحوار عمرو سمير عاطف وإخراج ياسر سامي، ويشارك فى بطولته عمرو عبد الجليل وأحمد وفيق وناهد السباعي ومحمود الليثي وعدد آخر من الفنانين. والمسلسل تركيبة درامية ومزج فني بين السياسة والتاريخ والخيال والواقع. تدور أحداث المسلسل في المستقبل عام 2120، ويعرض للتغيرات الحادثة على العالم نتيجة سيطرة التكنولوجيا، ويتنبأ بانهيار الولايات المتحدة الامريكية، والانتصار على إسرائيل وزوالها وتحرير القدس وعودة الصهاينة الى البلدان التي كانوا يعيشون فيها.
3 ــ مسلسل “حارس القدس” من تأليف الكاتب حسن.م. يوسف، وإخراج باسل الخطيب وبطولة الفنّان السوري رشيد عساف. ومن انتاج المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والاذاعي، يرصد المسلسل “السيرة الذاتية لرجل الدين المسيحي (إيلاريون كبوجي) المولود بحلب سنة 1922، والذي رسم مطراناً لـ (الروم الملكيين الكاثوليك) في القدس عام 1965، واعتقل من قبل الاحتلال الصهيوني بتهمة تهريب السلاح للمقاومة الفلسطينية بين عامي 1974 و1977، حيث تدّخل الفاتيكان لإطلاق سراحه، وأُبعد إلى روما، دون ان يتخلى عن مواقفه الداعمة لنضال الشعب الفلسطيني الامر الذي تجلى في مشاركته في سفن كسر الحصار عن غزة. ويسلط المسلسل الضوء على أبرز محطات المطران إيلاريون كبوجي بدءاً من طفولته، عبر” الأيام السبعة الأخيرة من حياته، وتحديداً منذ ليلة إعلان الجيش السوري استعادة السيطرة على مسقط رأسه مدينة حلب، ليلة 21/12/2016، وحتى يوم رحيله في 1/1/2017، عن عمر 94 عاماً”.
ثانيا: ثلاثة بيئات ورؤيتان:
ان هذه المسلسلات جاءت من بيئات عربية ثلاثة، فحارس القدس جاء من سوريا اخراجا وتمويلا وتمثيلا وعرض في لبنان على قناة الميادين. وتتسم البيئة التي جاء منها صاحب السيرة ورواتها، بالمقاومة كسمة رئيسة متجاوزة لحدود صياغة الموقف الى الممارسة العملية. كما جاء مسلسل نهاية العالم من مصر تمثيلا واخراجا وعرضا حيث عرض على قناة اون دراما. وهي البيئة التي خاضت حروبا متعددة مع الكيان الصهيوني بالشراكة مع بيئة حارس القدس، ثم انخرطت في اتفاقية سلام وتطبيع رسمي معه، وتميزت ببروز موقف رسمي منخرط في علاقات شاملة مع الكيان، وموقف شعبي رافض في اغلبيته العظمى للكيان الذي عجز على مدى سنوات من اختراق هذا الموقف خاصة بيئته المثقفة التي اشتغل عليها كثير. وقد جاء المسلسل كتعبير عن هذا الموقف بالتحديد. اما البيئة التي جاء منها مسلسل ام هارون، فهي البيئة الخليجية الرسمية المنخرطة في التطبيع مع الكيان الصهيوني، والتي تعمل على جر الجميع الى ذات الطريق. وهنا تبرز مسألة حول هوية المسلسل والى من ينسب بالضبط.؟ فقد تم التركيز على انه مسلسل كويتي على الرغم من رفض الكويت للتطبيع. ووجود حياة الفهد كممثلة كويتية وبعض الفنانين الكويتيين لا يمكن ان يمنحه هذه السمة، خاصة ان هناك العديد من الفنانين الخليجين قد شاركوا في المسلسل. ولنلاحظ ان المسلسل قد صور في الامارات وتم بثه على قناة M.B.C السعودية، ومقرها الرسمي بمدينة دبي للإعلام، اما المخرج فهو المصري محمد العدل الذي يوصف بانه قريب من الموقف الرسمي المصري أي الشق الرسمي من البيئة التي جاء منها مسلسل النهاية. ذلك يضعنا امام رؤيتين مختلفتين، فمن جهة نجد حارس القدس والنهاية مع الوعي بانهما يكملان بعضهما من حيث رفض الكيان الصهيوني والحض على مقاومته، على الرغم من الفوارق بينهما، ومن جهة ثانية تقف ام هارون الى جانب مسلسل اخر تبثه ذات الفضائية ” مخرج7″. في الدعوة للتطبيع مع الكيان الصهيوني وتبني الرواية الصهيونية.
ثالثا: التاريخ والمستقبل
3 ــ المسلسلات الثلاثة جعلت من التاريخ موضوعا لها، ولذلك برزت الضرورة مما قد نعتقد انه صدفة فمسلسل الحارس سرد درامي لتاريخ رجل عاش من العمر 94 عاما، متقاطعا في ذلك مع تاريخ وطن ممتد عبر بلاد الشام من 1922 الى 2017. بكل ما في هذا التاريخ من مقاومة وصمود وانتصارات وانكسارات، وإصرار على الاستمرار من اجل غاية تتلخص في تحرير الأرض المحتلة وانهاء الاستعمار الاستيطاني. ولذلك هو تاريخ مستمر. ومسلسل النهاية سرد عن تاريخ منتهي. يبدأ بعد تحقيق الغاية المتضمنة في حارس القدس، الامر الذي يتبدى في الحلقة الأولى لمسلسل النهاية حيث يظهر مدرس التاريخ عام 2120، وهو يعطي درسا لأطفال عن الحرب لتحرير فلسطين. ويقول لهم: «عندما حان الوقت للدول العربية للقضاء على عدوها اللدود، اندلعت الحرب والتي سميت حرب تحرير القدس». ويضيف أن الحرب انتهت سريعا، وقد أدت إلى دمار إسرائيل قبل مرور 100 عام على تأسيسها. اما مسلسل ام هارون فهو تاريخ أيضا ولكنه تاريخ مزيف لطائفة، والامر يتجاوز مسألة ان كان اليهود قد وجدوا في الكويت ام لا، الى ضرورة فهم الوعي بالغاية الحاضرة لوجود قد انتهى منذ اربعينيات القرن. وبما يتجاوز ادعائية حياة الفهد حين تقول في لقاء مع الإعلامي خالد الراشد «كان اليهود موجودين في كل مكان، وهذا كتاب منزل من الله، لا نقدر أن ننكره، والكويت فيها ديانات كثيرة”. الى ما يمكن وصفه بمحاولة وضع حجر عثرة في طريق حارس القدس كي يكف عن السعي والعمل من اجل تحقيق حتمية الزوال في النهاية. وذلك بالتسليم بالواقع والاقرار بحقوق للعدو وانتهاكات ارتكبت بحقة والاعتذار له. لذلك حملت ام هارون مجموعة من الرسائل الملغمة يمكن تحديدها فيما يلي:
1 ــ ترويج الرواية الإسرائيلية التي تدعي بمقتضاها بانها انقذت اليهود بشكل عام والعرب بشكل خاص من التمييز والاضطهاد. وهي الرواية التي تستند اليها في تشجيع اليهود على الهجرة الى فلسطين المحتلة.
2 ــ التسليم بعدم وجود فلسطين أصلا الامر الذي كان واضحا من خلال المقطع الذي يتحدث عن تأسيس دولة إسرائيل عقب إنهاء الانتداب البريطاني على “أرض إسرائيل” أي “محو اسم فلسطين والهوية والفلسطينية”.
3 ــ التساوق مع الرواية الإسرائيلية حول مطالبة اسرائيل بتعويضات لليهود نتيجة لأملاك تركوها في المواطن التي تركوها. والمقايضة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين والحقوق المدعاة لليهود في الجزيرة العربية.
4 ــ الضغط على الكويت لكسر موقفها الرافض للتطبيع او اختراقه، الامر الذي يتأكد من خلال اختيار ممثلة كويتية للبطولة، والترويج الى كويتية المسلسل على الرغم من ان التصوير والتمويل كان من وفي الامارات والعرض في قناة السعودية والمخرج مصري الجنسية.
5 ــ الترويج للتطبيع والتحريض ضد الشعب الفلسطيني، ولنلاحظ انطلاق المسلسل مع حملة فلسطين ليست قضيتي التي تقف خلفها أوساط سعودية رسمية، إضافة الى ذلك بث مسلسل اخر على ذات الفضائية طاخ 7 يتضمن مقاطع حوارية تصب في هذا الاتجاه. الامر الذي يتبدى من خلال الحوار الذي دار في أحد المشاهد بين الممثل السعودي ناصر القصبي وراشد الشمراني، تناولا فيه نموذجا للتطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. يقول الشمراني -خلال الحوار- إنه سيبدأ التعاون التجاري في إسرائيل، ليستنكر القصبي تلك الخطوة قائلا إنهم “يخبرون أبناءهم أن إسرائيل هي العدو فكيف يخبر أبناءه أنه سيقوم بالتجارة معهم؟” – أن “العدو ليس إسرائيل، ولكنه الشخص الذي لا يقدّر وقوفك بجواره، ويسبك ليلا ونهارا أكثر من الإسرائيليين، وأن السعوديين دخلوا حروبا لأجل فلسطين، وتحملوا أموالا ونفطا، كانوا هم أحق بها، لكنهم قدموها كرواتب للسلطة الفلسطينية، وفي النهاية عندما تواتيهم الفرصة، يهاجمون السعودية”،
رابعا: العدو يكشف الحقيقة
ولأن الضرورة ارادت التجلي بوضوح حاد عبر ما نعتقد انه صدفة في المسلسلات الثلاثة، فقد استحضرت الطرف الاخر للمسألة كلها وهو الكيان الصهيوني، وبما يتجاوز حدود صورته المتضمنة في المشاهد المصورة بشكل رمزي. في هذا المستوى فقد حضر على هامش المسلسلات الثلاثة. كان الحضور الأول في المواجهة والاشتباك بالسلاح مع حارس القدس الحقيقي بشحمه ولحمه، وهي مواجهة مازالت مستمرة وبذات المستوى من الصرامة والحدة على الرغم من رحيل المطران كابوتشي. وكان الحضور الثاني عبر اعتراض وزارة خارجيته على مسلسل النهاية الذي يشكل تحقيق توقعه بزوال إسرائيل غاية لحارس القدس. ووصفته بأنه «مؤسف وغير مقبول على الإطلاق، خاصة بين دولتين أبرمتا اتفاقية سلام منذ 41 عاما». واما الحضور الثالث فقد كان للمتحدث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي الذي قال: “كالعادة تعرضت الفنانة القديرة حياة الفهد لانتقادات أصحاب نظرية المؤامرة وغيرهم من المفسدين، الذين ينظرون إلى كلمة تطبيع كشتيمة، ويفضلون المسلسلات العنصرية التي تروج الأكاذيب المعادية للسامية التي عادة تعرض في شهر رمضان”، على حد تعبيره. ان دخول العدو وفي المسلسلات الثلاثة يكشف بالضبط ان هناك جبهتين متقابلتين. ام هارون تريد ان تثأر منا لماضي انتهى والنهاية يأخذنا الى مستقبل منتظر اما حراس القدس فهو الربان الذي يأخذنا في رحلة مقاومة بين التاريخين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق