مقالات و دراسات

اهداف التطبيع وبوابات الاختراق في المغرب العربي

عابد الزريعي

مدير مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء

مدخل:
يمثل المغرب العربي بموقعه في شمال القارة الافريقية بوابة غربية للعالم العربي. تمتد على شاطئ البحر الأبيض المتوسط حتى المحيط الأطلسي. وتبلغ مساحته حوالي 5.782.140 كلم 2 ما يعادل 42%من مساحة الوطن العربي، و28% من سواحله. ويتميز بتضاريسه المتنوعة من سهول وجبال وهضاب وصحاري. ويتكون من خمس دول رئيسية؛ هي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا. المنضوية تحت لواء اتحاد المغرب العربي الذي أُعلن عنه في 17 فبراير/شباط عام 1989 بمدينة مراكش. وبحكم اهميته الاستراتيجية كان دوما مدرجا على اجندة القوى الاستعمارية بشكل عام، والحركة الصهيونية ما قبل وما بعد قيام إسرائيل بشكل خاص، وما قبل وما بعد نيل دوله لاستقلالها الوطني. وبشكل أخص في ظل المتغيرات الراهنة المتعلقة بالتطبيع العربي الاسرائيلي. ويتناول هذا المقال تطور اهداف واتجاهات الحركة الصهيونية تجاه تلك المنطقة الاستراتيجية، والمدرجة على جدول اعمالها في اللحظة الراهنة، كفضاء يمكن ان ينخرط بكل وحداته في مسار التطبيع. وكذلك البوابات التي تحاول ان تعبر من خلالها لفرض هذا المسار. وينتهي بمحاولة استشراف للتطورات المستقبلية ارتباطا بمحاولات التطبيع الجارية.
أولا: الاهداف والتوجهات التاريخية للحركة الصهيونية:
حضر المغرب العربي على اجندة الحركة الصهيونية منذ بداية توجهها الى تلك المنطقة وحتى نهاية العقد الاول من قيام ” اسرائيل” في سياق اربعة توجهات رئيسة تتمثل في:
1 ــ موقع استيطان: لإنشاء وطن قومي يهودي في الجبل الأخضر من ولاية برقة بليبيا. وقد قدمت هذا المقترح “منظمة الأراضي اليهودية” بلندن وأرسلت في 15/7/1908بعثة علمية لاستكشاف المنطقة. كما تم الكشف اخيرا عن ان هرتزل كان قد أعد في ابريل 1903 خطة باسم ” خطة المغرب” لتوطين يهود روسيا في منطقة وادي الحصان جنوب غرب المغرب.
2 ــ خزان للهجرة: حيث نشطت الحركة الصهيونية بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني الرابع في مختلف بلدان المغرب العربي، وبنت التنظيمات المتعددة؛ بهدف تعبئة اليهود وتنظيمهم ودفعهم للهجرة. الى فلسطين قبل قيام اسرائيل وبعدها.
3 ــ مستعمرة دائمة: عندما قامت اسرائيل كانت دول المغرب العربي خاضعة للاستعمار. وقد رأت ان بقاء تلك الدول تحت الاستعمار الفرنسي، يشكل ضمانة لعدم مشاركتها في الجهد العربي الموجه ضدها. ومن اجل ذلك خططت الى جانب الاستعمار الفرنسي من اجل استمرار احتلال الجزائر.
4 ــ منطقة ارتكاز: وذلك بتعميق علاقة اسرائيل مع بعض دول المغرب، خاصة المملكة المغربية لجعلها دولة ارتكاز يمكن الاعتماد عليها في قضايا كثيرة تتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي.
لقد شكلت هذه التوجهات الأرضية التي نبتت فيها مجموعة من الأهداف، ارتباطا بتطور معطيات الصراع، لتصبح أكثر تحديدا على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية. وذلك في سياق نزوع اسرائيل لبسط وجودها الاقتصادي والسياسي خارج نطاق دول الطوق الاول والطوق الثاني. وعلى ضوء ذلك كلفت الهيئات الاستخبارية والسياسية الاسرائيلية مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا بملف المغرب العربي، الذي وبعد صياغة مشروعه الذي اعتمد من قبل المؤسسات السياسية والأمنية الإسرائيلية، انخرط في سلسلة نشاطات، واشتغل على إعداد سلسلة من الأبحاث والدراسات عن دول المغرب واقام عديد الندوات والورش. وسوق مواد دعائية من كتيبات وكراسات ومنشورات، بهدف توفير المعطيات اللازمة للأجهزة الاسرائيلية التنفيذية.
ثانيا: الاهداف والتوجهات الاسرائيلية الراهنة:
تنظر اسرائيل الى دول المغرب العربي ضمن مشروع التطبيع والتفتيت العام. والمستند الى محاولة تحقيق اربعة اهداف راهنة تتلخص في:
1 ـــ الاهداف الجيوستراتيجية
وتتمثل في ثلاثة عناصر تتعلق بشكل مباشر بالصراع العربي الصهيوني، وبمحاولة تطوير تغلغلها في عمق القارة الافريقية والامساك بغربها. وهي:
أ ــ كشف الامن القومي العربي من البوابة الغربية. وكانت قد تقدمت إلى حلف الناتو بطلب للسماح لها بمراقبة مضيق البحر الأبيض المتوسط غربا؛ لتعقب البواخر التي قد تستعمل هذا المنفذ للوصول اليها.
ب ــ ايجاد مرتكز للتغلغل في القارة الافريقية من جهة الشمال. حيث ترى ان التطبيع سيلعب دورا حيويا في تكريس دورها في كافة القارة الإفريقية. وفي هذا الصدد اعطت اهمية كبيرة للتطبيع مع المغرب.
ث ــ تحييد المغرب العربي وابعاده عن المشاركة في معارك الامة التاريخية. خاصة بعد مشاركته إلى جانب مصر وسوريا خلال حرب يوم الغفران في عام 1973. وفي هذا السياق يقول دافيد ليفي ان الدول التي يتم تحييدها تنحاز الى الخط غير المعادي بتبنيها تسوية الصراع وقبولها لعب دور الوسيط على ارضها.
2 ــ الاهداف الامنية:
وتتلخص في حماية الامن الإسرائيلي من خلال التنسيق الأمني وتبادل المعلومات، خاصة حول التواجد الفلسطيني وحركات المقاومة ومن يدعمها في هذه البلدان. وفتح المجال امام الانشطة الاسرائيلية لممارسة التخريب. والتجسس الذي زاد في منطقة المغرب العربي بعد عام 1982 ارتباطا باستقرار منظمة التحرير الفلسطيني في بعض البلدان المغاربية. معتمدة في ذلك على قدراتها وعلى اجهزة استخبارات اجنبية خاصة الفرنسية. وفي هذا الصدد تم تركيز العمل الاستخباراتي ضد الدول المغاربية الرافضة للتطبيع، مثل الجزائر، مستفيدة من حضورها الميداني في تلك التي سلكت طريق التطبيع مثل المغرب. كما أدرجت في سياق الاهداف الامنية التدخل المباشر والمعالجة بالقوة، الامر الذي تبدى في اغتيال ابو جهاد واستهداف ميناء عنابة واخيرا اغتيال المهندس التونسي محمد الزواري.
3 ـــ الاهداف الاقتصادية:
تعتبر اسرائيل الاقتصاد المغاربي اقتصادا استهلاكيا على المديين البعيد والمتوسط. وتعتمد دوله بشكل أساس على المنتجات الاوربية من بلدان شمال البحر الأبيض المتوسط، وقد وضعت على اجندتها السيطرة على الأسواق المغاربية، عن طريق تقديم نفس البضائع التي تستوردها بلدان المغرب العربي، وبكلفة أقل، خاصة إذا وصلت تلك البضائع برا، في حالة تكريس التطبيع مع العالم العربي. كما تتطلع للاستفادة الاقتصادية من منطقة ذات تضاريس متعددة، وتزخر بمواد طبيعية هائلة، واضعة على رأس اهتمامها اليورانيوم الجزائري.
ثالثا: بوابات الاختراق
ان تحقيق الاهداف المدرجة على الاجندة الاسرائيلية، لا يمكن ان يتم الا عبر اغراق تلك الدول في مستنقع التطبيع، الامر الذي يحتاج الى بوابات اختراق للبلدان المغاربية. وفي هذا الجانب عملت على الاستفادة القصوى من البوابات الاتية:
1 ــ بوابة الارث الاستعماري
راهنت اسرائيل على استخدام المخلفات الثقافية والاجتماعية للإرث الاستعماري كأدوات يمكن الاستفادة منها في تحقيق اهدافها. فقد خضعت البلدان المغاربية للاحتلال الفرنسي باستثناء ليبيا التي خضعت للاحتلال الإيطالي.؛ كما خضع شمال المغرب وجنوبه للسيطرة الإسبانية. وفي هذا الجانب تم التركيز على البلدان التي خضعت للاحتلال الفرنسي الذي ترك اثارا عميقة على المستوى الثقافي، فيما يعرف بالاتجاه الفرانكفوني الذي يتكئ على وشائج ارتباط ثقافي مع المستعمر السابق، ويعبر عن هذا الارتباط بالتنكر لعروبته وانتمائه القومي الحضاري. ومن خلال هذا الشق عملت اسرائيل على التسلل بمختلف الطرق لجر بعض وجوه هذه النخبة للتطبيع من ناحية، وتفجير التناقضات الثقافية الداخلية بين المكونات الاجتماعية من ناحية اخرى.
2 ــ بوابة التركيب الديمغرافي:
يسود بلدان المغرب العربي -بشكل عام- حالة من التمازج بين الأعراق المكونة لنسيجها الاجتماعي، حيث تتكون المجموعات السكانية من عرب وامازيغ وأفارقه، بدرجات تختلف من بلد الى اخر. وقد عملت اسرائيل على خلق التناقضات بين هذه المجموعات في معظم دول المغرب العربي. لتحقيق هدفيها الرئيسين، التطبيع والتفتيت. ومن اجل الوصول الى هذه الغاية نظم مركز دايان المكلف بملف المغرب العربي سلسلة طويلة من الدراسات والأبحاث والندوات عن أوضاع منطقة المغرب العربي تصب كلّها في خدمة مشروع التفتيت والتطبيع. فعقد ندوات وفعاليات وأصدر الدراسات حول ما سمّي بالمشكلة الأمازيغية و” العلاقة التاريخية بين اليهود والأمازيغ في منطقة شمال إفريقيا”. كما تم الاشتغال على إقامة لجان صداقة أمازيغية إسرائيلية في كل من إسرائيل والمغرب. وتم الاشتغال في موريتانيا على ملفات حركة تحرير الأفارقة الموريتانيين “أفلام” ثم تحولت الى التركيز على “الحراطين” بسبب نسبتهم العالية المجتمع الموريتاني.
3 ــ بوابة الهجرة اليهودية:
ان الحركة الصهيونية التي لعبت دورا حاسما في تهجير اليهود من البلدان المغاربية الى فلسطين، باتت توظف هذا الملف كوسيلة اختراق لتلك البلدان باتجاهين. الأول بالعمل على خلق وشائج بين نسل أولئك المهاجرين وبين البلدان التي هاجر منها ابائهم، وذلك عن طريق الزيارة التي تتبدى بشكل أكثر وضوحا بالحج الى معبد الغريبة في تونس، او تتخذ شكل الزيارات الفردية، وهو الامر الذي تعيشه جميع بلدان المغرب العربي. وذلك من اجل خلق وقائع تواصل على الأرض، إضافة الى الاستفادة من ذلك في عمليات التجسس. والثاني بفتح ملف تعويضات لليهود المهاجرين بحجة انهم خلفوا وراءهم املاكا غير منقولة تقدر بالمليارات. للضغط ودفع الدول المغاربية للتطبيع من ناحية، وجعله أحد عناوين المقايضة مع ملف اللاجئين الفلسطينيين على المستوى الكلي للصراع من ناحية ثانية.
4 ــ بوابة الاقتصاد:
تستغل اسرائيل الوضع الاقتصادي المتردي، واعتماد بعض بلدان المغرب العربي على المصادر المالية الخارجية، وقروض صندوق النقد الدولي، لدفعها باتجاه التطبيع. وفي الترويج لتقدمها الاقتصادي وقدرتها على تنمية وتطوير اقتصاديات هذه البلدان. والقيام بدور الوسيط المالي بينها والعالم الرأسمالي. مستفيدة من ربط الحكومات الغربية والمؤسسات الدولية بين المساعدات والاستثمارات والتطبيع مع اسرائيل. خاصة وان الفضاء الدولي الذي تنحاز اليه اغلب الدول المغاربية، يقترب ويتناسق مع السياسة والاهداف الاسرائيلية.
5 ـــ بوابة العلاقات البينية:
تستغل اسرائيل حالة عدم الانسجام في العلاقات البينية بين دول المنطقة. والتي تتخذ طابع الخلافات الناجمة عن الإرث الاستعماري (مثل مشكلة الصحراء الغربية) وربما كان المثل الاكثر وضوحا على ذلك ان ملف الصحراء الغربية استخدم لمساومة المغرب ودفعها لتوقيع اتفاقية التطبيع المعلنة بين الطرفين.
رابعا: ــ ماذا يخبئ المستقبل؟:
ان القراءة الاستشرافية لمسار محاولة تعميم التطبيع على كامل المنطقة المغاربية، تقود الى الاستنتاجات الاتية:
1 ـــ ان تلجأ اسرائيل وبعض القوى الغربية الى العمل على الكسر بالقوة للدول المغاربية الرافضة للتطبيع، والتي تحوز من الامكانيات ما يؤهلها لان تكون طرفا مؤثرا في الصراع العربي الاسرائيلي. وفي هذا السياق جاء تدمير ليبيا، عبر تداخل ادوات متعددة. والمتوقع ان يتم التركيز في المرحلة القادمة على الجزائر التي قد تجد نفسها امام ضغوط عديدة خارجية يواكبها تحريك بعض الادوات الداخلية.
2 ـــ ان تتكثف محاولات دفع تونس في مسار التطبيع، بوصفها عقدة الربط بين بلدان المغرب العربي، ولان الامساك بها يعني توفير الظروف الملائمة لاستكمال مشروع الكسر للجزائر، وفي ذات الوقت الفصل بين مشرق المغرب العربي ومغربية، في صيغة تشبه السيطرة على فلسطين لفصل مشرق الوطن عن مغربة. وفي سياق هذه المحاولة نستطيع تفسير كثافة اختراقات ومحاولات التطبيع الذي تتعرض له تونس الان من بوابة الاقتصاد تحديدا، وترافق ذلك مع حالة من عدم الاستقرار السياسي.
3 ـــ التركيز على تعميق مسار التطبيع مع المغرب، على المستوى الرسمي، والعمل بكل الوسائل لتعميمه على المستوى الشعبي.
4 ـــ محاولة تحقيق اختراقات في الساحة الليبية بالاستفادة مع الوضع المتولد عن حالة الانقسام والتدمير. ومن جهة ثانية العمل على اعادة فتح ملف التطبيع الموريتاني وتوظيف أطراف عربية مؤثرة في هذا السياق.
ان النتيجة المترتبة على ذلك ستتبدى في ارتفاع وتيرة المواجهة مع قوى التطبيع في مختلف البلدان المغاربية خاصة في المملكة المغربية، الامر الذي يفرض التنسيق والتواصل بين القوى الشعبية. ومن جهة ثانية باتت مسألة التنسيق التونسي والجزائري على المستوى الرسمي امرا ضروريا لاسيما وان البلدين باتا في بؤرة الاستهداف.
مكتبة المقال
الزعبي، حلمي عبدالكريم: 13/11/2010 ـــ دور “مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وإفريقيا” في صياغة المشروع الصهيوني لتفتيت الأقطار العربية
www.paldf.net/forum/showthread.php?t=705079
محمدي، يوسف: أط: 29 /1/2019 ــــ محاولات خليجية للضغط على الجزائر من أجل التطبيع مع إسرائيل. http://aljazairalyoum.com
العربية، روسيا: 25/4/2018 ـــ جواسيس إسرائيل في الجزائر يتساقطون!
https://arabic.rt.com/rtonline/news/940429-
بنعلي،عبدالرحيم بلشقار: 10/4/2014ـــ مجلة البيان – الإخطبوط الصهيوني في المغرب
http://www.albayan.co.uk/print.aspx?id=3590
ولد القابلة، أدريس:1/12/2005 ـــ ملف المغرب واليهود والموساد ـ الحلقة الثانية من ٣ إسرائيل و المغرب العربي.
http://www.diwanalarab.com/spip.php?article2795
الشنقيطي: محمد بن المختار: 3/10/2004 ــ موريتانيا وإسرائيل.. ماذا وراء الربوة؟
//www.aljazeera.net/knowledgegate/opinions/2004/10/3/ 3/10/2004
التونسية، الوسط: 16/7/2007 ــ حلف الأطلسي مخبرا لتطبيع العلاقات الجزائرية الإسرائيلية ــ الوسط التونسيةــ www.turess.com/alwasat/3002
التونسية، الوسط: 9 /10 / 2009 ـــ إسرائيليون يطالبون بخط جوي مباشر مع تونس
www.turess.com/alwasat/11156
سلمي،جلال:27 /8/ 2016 ــ دلالات في تهديد اسرائيل للجزائر
/www.sasapost.com/opinion/indicators-threat-israel-algeria/
برس،قدس: الدغرني : 19 غشت 2009 ــ العلاقات مع إسرائيل مصلحة أمازيغية
www.hespress.com/tamazight/14662.html

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق