مقالات و دراسات

تقرير العفو الدولية: هل يمكن تفكيك العنصرية الاسرائيلية بدون تفكيك اسرائيل ذاتها.؟

عابد الزريعي – مدير مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية و الانتماء

استقبلت مختلف الأوساط الداعمة لنضال الشعب الفلسطيني بارتياح كبير، تقرير منظمة العفو الدولية الصادر يوم 1 فبراير 2022 الذي يدمغ إسرائيل بممارسة سياسة الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وكذلك بحق اللاجئين الفلسطينيين. لكن المسئولية تقتضي القول ان التقرير على اهميته، يفرض على الحركة الوطنية الفلسطينية تحديات فكرية وعملية، وهو الجانب الذي لم يلتفت اليه أحد في خضم فوضى الفرح.  في هذا المقال القصير نود التنبيه على قضايا أساسية يجب ان لا تغيب عن البال بالمطلق.

1 ـــ جاء تقرير العفو الدولية باتهام إسرائيل بارتكاب جرائم فصل عنصري، على خلفية مسار طويل من الجرائم التي ترتكبها بشكل يومي بحق الشعب الفلسطيني. وأشارت الى ” ان نظام القمع والهيمنة الذي تفرضه إسرائيل على الفلسطينيين ” يرقى الى مستوى الفصل العنصري الذي يحظره القانون الدولي”. وعلى ضوء هذا التوصيف طالبت بإنهاء “هذه الجريمة الدولية المتمثلة في الفصل العنصري عن طريق تفكيك إجراءات العزل والتمييز التي تمارس ضد الفلسطينيين”.

2 ـــ هذه خطوة مهمة يمكن الاستناد اليها او اخذها كوثيقة دامغة لممارسات الاحتلال في سياق فضحه وتقديمه للمحاكمة. وهو الامر الذي اكدت عليه 292 شبكة ومنظمة حقوقية ومدنية تضم في عضويتها أكثر من 1600 منظمة من 22 دولة، وذلك في بيانها المشترك الصادر يوم 8 فبراير الجاري، واعتبرت ان تقرير منظمة العفو الدولية يسجل إضاءة كاشفة على ما نبهت اليه منظمات المجتمع المدني المشاركة في المؤتمر الموازي للمؤتمر الأول المناهض للعنصرية الذي نظمته الأمم المتحدة في مدينة دبريان بجنوب افريقيا عام 2001.

3 ــ يجب التنبه الى اننا بالقدر الذي نمضي مع مطالبة منظمة العفو الدولية بتفكيك هذا النظام، علينا ان نعي ان هذه موقعة في حرب ،وليست الحرب بشموليتها. ذلك لان التوصيف الدقيق للكيان الصهيوني، يتلخص في كونه كيان تطهير حضاري على كافة المستويات العرقية والثقافية والحضارية، وليس كيان فصل عنصري بالمعنى المتعارف عليه. وبالتالي فان ممارسته للفصل العنصري تشكل بالنسبة له محطة على طريق انجاز مشروعه في التطهير الحضاري وليس نهايته.

4 ـــ ان أنظمة الفصل العنصري في نموذجها الأكثر وضوحا “جنوب فريقيا سابقا”، ترفض الطرف الاخر عرقيا وثقافيا وحضاريا، اما في الحالة المتعينة، فان إسرائيل ترفض الفلسطيني، ولكنها تستولي على ثقافته وتنسبها الى نفسها. هذه النقطة بالتحديد هي التي توضح المقصود بالتطهير الحضاري. ولان مشروع بهذا الحجم يحتاج الى ترتيبات وتعقيدات جمة فان الفصل العنصري يتبدى كأداة تطفيش على طريق الوصل الى ذلك الهدف.

5 ــ ان عنصرية إسرائيل ليست عنصرية سياسية قابلة للتعديل والتفكيك، لكنها عنصرية أيديولوجية منغرسة في المفهومين العرقي والديني المنغلقين على صنف محدد من البشر، وهي مسألة غير قابلة للتفكيك الا بتفكيك النظام السياسي الذي يجسدها.

6 ــ ان الإقرار بإمكانية تفكيك الممارسة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني بمعزل عن تفكيك الكيان ذاته، يترتب عليه دخول الحركة الوطنية الفلسطينية في مأزق يتعلق بالبرنامج والاستراتيجيات والاهداف ووسائل النضال، وبالنتيجة مصير الشعب الفلسطيني.

7 ـــ ان وعي هذه المسالة يشكل شرطا ضروريا للاستيعاب الواعي لتقرير منظمة العفو الدولية، واية قرارات دولية او من منظمات مجتمع مدني تدين الكيان الصهيوني، لأنها توفر لنا أسلحة إضافية للاستمرار في القتال لمنع واسقاط مشروع التطهير الحضاري، بإسقاط وانهاء الكيان نفسه وليس السياسة التي يتبعها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق