المرأة الفلسطينية خنساء هذا العصر
الاستاذ محمد بدران
يحتفل العالم في كافة أنحاء المعمورة بعيد المرأة العالمي الذي يصادف 8 مارس من كل عام ، ومازالت المرأة في عديد من دول العالم تعاني من الاضطهاد والعنف والاستغلال ، وتناضل من أجل كرامتها وحقوقها التي أقرتها شرعية حقوق الانسان ، وتخوض كفاحا مسلحا في بعض الأقطار لتحرير وطنها من الاستعباد والاحتلال ، مثلما هو حال المرأة الفلسطينية التي خاضت عبر مسيرة كفاح الشعب الفلسطيني نضالا لا يقل عن نضال الرجال، ومشت على طريق الآلام والمعاناة في مواجهة الانتداب والاحتلال دون أن يعتريها الوطن والتردد، وصنعت بطولات فاقت كل تصور، ودفعت فلذات اكبادها الى ساحة القتال والاستشهاد من أجل الوطن دون ان يرف لها جفن، أو تنهمر دمعة من مقلتيها، وناضلت واستشهدت واعتقلت وكتبت بدمائها على حجارة منزلها المهدم وهي تحتضن ترابه ان الارض التي اغتصبت لا بد أن تعود مهما طال الزمن ومهما بنى العدو الصهيوني من جدران ومستوطنات واقترف من مجازر وهود من أرض ومدن. لقد شكلت المرأة العربية بما فيها المرأة الفلسطينية قاعدة صلبة في مواجهة الانتداب والاستعمار والاحتلال وسجلت بطولات رائعة في الصمود أمثال المناضلة البطلة الجزائرية جميلة بحيرد وسناء محيدلة في لبنان و كثيرات منهن ممن تركن بصمات لا تنسى بمشاركتهن لثورات الشعب العربي ضد الاستعمار والاحتلال ومازال التاريخ يذكر موقف المرأة الفلسطينية وتضحياتها في مواجهة الانتداب البريطاني والهجرة اليهودية والمشروع الصهيوني ، ومشاركتها في المظاهرات والاضرابات وتعرضها للاعتقال والاستشهاد ومنهن الشهيدة البطلة فاطمة غزال التي استشهدت في مواجهة قوات الانتداب البريطاني في ثلاثينيات القرن الماضي والمناضلة الشهيدة خورشيد التي شكلت فصيلا مقاوما من النساء الفلسطينيات واستشهدت مع رفيقاتها في مواجهة العصابات الصهيونية عام 1947. كما انخرطت في الثورة المعاصرة عام 1965 ، ونفذت عدة عمليات فدائية منها عملية المناضلة فاطمة البرناوي التي حاولت القيام بعملية فدائية فاعتقلت من قبل السلطات المحتلة وكانت أول اسيرة من نساء ثورة الفلسطينية ، وقد ساهمت كذلك بمد الثورات الفلسطينية بالخدمات الطبية والاجتماعية وشاركت في صنع القرار السياسي ، وهيأت جيلا مقاوما بعد جيل والتحقت بمعسكرات التدريب واكتسبت مهارة القتال وحرب العصابات واطلعت على تجارب ثورات الشعوب المناضلة والذي توج هذا بتخريج ألوف المناضلات منهن المناضلة البطلة الشهيدة دلال المغربي التي قادت من خلال خبرتها مجموعة فدائية انطلقت من سواحل لبنان الى سواحل فلسطين ونفذت عملية في عمق الاراضي المحتلة حيث أنزلت خسائر فادحة في صفوف قوات العدو الصهيوني قبل سقوطها ورفائها شهداء على ثرى فلسطين. لقد انتهجت المرأة الفلبسطينية ثقافة المقاومة من أجل تحرير الوطن وقدمت التضحيات والشهيدات ومنهن الشهيدة المناضلة شادية أبو غزال أول شهيدة للثورة المعاصرة التي استشهدت عام 1967 ، كما شاركت المرأة الفلسطينية في الانتفاضات الملاحقة منذ انتفاضة عام 1987 الى يومنا هذا وسقط منهن في هذه المواجهات الجرحى والشهيدات واعتقل المئات، وقد أثبتت أنها قادرة على العطاء والصمود وأن إرادتها عصية على الانكسار وهي أصلب من صخور الارض وقد تساوى عندها الموت والحياة نتيجة ظلم الاحتلال ، وقد كتبت وفاء ادريس، وهنادي جرادات، وريم رياشي، وآيات الأخرس بدمائهن نموذجا صارخا في التضحية والفداء باستشهادهن من أجل الوطن. إن دور المرأة الفلسطينية لم يقتصر على انخراطها في صفوف المقاومة، بل تحملت مهمة تربية الاجيال المتعاقبة ومسؤولية الانجاب الذي اقلق العدو الصهيوني والذي حينما سئلت جولدا مائير رئيسة دولة الكيان الصهيوني مالذي يقلقها ويحرمها من النوم ؟ فأجابت ( ميلاد طفل فلسطيني) . لذا لقد تعاظم دور المرأة الفلسطينية، وتماثل صبرها على المعاناة من جرائم العدو الصهيوني صبر أيوب ، وفاق صمودها صمود الخنساء على تحمل نوائب الدهر وفقدان الأبناء والأشقاء، ولم تستكين يوما إذا دعاها واجب الوطن إنها خنساء هذا العصر ، وقد أذهل صمودها وصبرها قوات الاحتلال ، ففي كل يوم يزف المشيعون الشهداء المؤزرين بأكاليل الغار صبحا ومساء حيث يفوح مسك دم الشهداء من بيت الى بيت وتشكل دماؤهم جداولا لتلتقي في نهر التحرير والعودة الى أرض الوطن وانهاء الاحتلال. هذه هي المرأة الفلسطينية التي هزت الكيان الصهيوني بعطائها ولم يهتز لها رمش من رموشها ، والتي أرسلت رسالتها الى العالم بأنها صامدة مهما بلغت التضحيات وسقط الشهداء الذين تودعهم بالدعاء والاعتزاز ، وقد دأبت الاخوات والامهات يحبسن دموعهن أثناء الوداع للشهيد وفي بعض الاحيان لا تتمالك الام رباطة جأشها فتنهمر دموعها مدرارا ويتكسر أسوار الصمت وسجن الجفون، فتبكي وليدها بصمت وخشوع وتقبله بهدوء وسكينة وتدعو له بالرحمة ونعيم الجنة وتحمله التحيات لمن سبقوه في الشهادة الذين اعطوا ولم يأخذوا واستبسلوا ولم يجبنوا والذين اشتروا الحياة الدنيا بالاخرة، وحملوا الامانة وأوفو بالعهد فطوبى لنساء فلسطين في يوم المرأة العالمي وسلام عليك يا خنساء فلسطين لقد كنتي على الدوام تلبي نداء الوطن وتقدمي فرسان المواجهات لإنهاء الاحتلال من أرض الوطن .