تبعيات التطبيع و التحديات
الاستاذة خميسة العبيدي
باحثة فى مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية و الانتماء
لقد نجح الأعداء في زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي و تجزئته و من ثم أصبح صراعنا مع الكيان صراع وجود و استرجاع فلسطين قضيتنا المركزية .
أما الان فاننا نواجه حلقة صراع جديدة و هي معركة التطبيع الذي من البشرية و أصبح يضرب أهم عناصر حركة التحرر العربي و يحدث تخريبا في بنية الوعي و العمل في مواجهة الكيان الصهيوني و يفكك وحدة رؤيتنا للمصير المشترك و الحفاظ على هويتنا و انتمائنا.
فالوطن الان على مفنرق الطرقات فاما وطن واحد أو وطن أشلاء(مظفر النواب)
و لأن الوعي هو المحرك الأساسي للمقاومة و الضامن للاستعداد و للمواجهة و الاستمرار و النجاح .
لذلك حاول الكيان الصهيوني استهداف وعي الجماهير في فلسطين منذ عقود و عمل على إخفاء حقيقته العدائية التوسيعية بتزييف التاريخ و تغيير الذاكرة الذاكرة و الاستيلاء على بعض المواقع الضاربة في القدم كما سن قوانين و اتفاقيات بالاستعانة بالامبرياليلت مستعملا في ذلك كل أساليب القوة و العنف و الحيلة و الترهيب داخل فلسطين لكنه لم ينجح في تغيير وعيهم بالدفاع عن الأرض و ادراكهم بحتمية الكفاح حتى اقتلاع العدو و استرجاع حقوقهم في الأرض و العودة العمرية و تنوعها و تطورها من (الاحتجاج الى العمليات الفردية…. وصولا الى المعارك و العمليات المنظمة ).
الا دليلا على رفض الاحتلال و الإصرار على المواجهة و الابداع النضالي و كذلك بعث رسائل الى العالم بأنهم لا يقبلون التعايش مع المحتل و لا بالتسوية و لا يسقطون وصية الشهداء “بعدم ترك البارودة ” و التمسك بنهج المقاومة على قاعدة من يكرم الشهيد يتبع خطاه و مبرزين للعدو أنه خسر معركة الوعي و الأمن داخل فلسطين و فشل في مخطط التئييس و الانهاك .
و بما أن مشروع الصهيونية و الامبريالية لم يستكمل أصبح عليه تغيير الياته حتى يفك حصاره من داخل جغرافية فلسطين و ينهي القطيعة و الرفض و يحول بعض الأقطار العربية من طرف في المقاومة الى طرف يسوق له صورة جديدة تؤمن انتشاره.
بإقامة علاقة طبيعية مع أجهزته و مؤسساته و سياسته حتى يضرب الدافع النفسي و التراكم التاريخي الذي يحفز على المقاومة و التمسك بالهوية و الانتماء مستعينا في ذلك بقوى التطبيع من بعض السلط و أصحاب المصالح الخاصة اللذين يعملون في الاتجاه المعاكس للحاضنة الجماهرية للمقاومة و يشوشون الذاكرة و الوعي الشعبي حتى لا يرتقي الاحتجاج و ردود الفعل الى الادراك الحقيقي بخطورة التطبيع و أبعاده و أهدافة التخريبية في بناء النفسية و الوعي .
كذلك حتى لا يمسك الشعب بالأدوات اللازمة للمقاومة و توظيفها توظيفا صحيحا و من هنا يأتي التقاء الرجعية مع الامبريالية الراعية و الداعمة للكيان الصهيوني و ما بينهم من اختلاف سطحي لا يرتقي لدرجة الحسم أو الوقوف في صف المقاومة سنواصل قطع الطريق أمام تطور وعي الجماهير و افساد مقومات النضال من أجل الحرية و الكرامة و العدالة تحت عدة مسميات و ـقنعة و ضغوطات و مزيدا من القيود حتى تنفذ الاملات منها التطبيع في هذه المرحلة حتى تضمن بقائها في مناصبها .
و تكمن خطورة التطبيع :
أولا: في أنه يؤسس لبديل قيم إنسانية لطالما ناضل من أجلها قوى التحرر والتقدم وعلى رأسها الإنتصار لثورات التحرر الوطني ومواجهة الأعداء القوميين والطبققين وإفشال مخططات الإمبريالية والصهيونية وعملائها.
ثانيا:في تسلله إلى العقل العربي عبر الأدوات الرسمية التي تحكمه والمفروضة عليه ( سياسيا-إقتصاديا-ثقافيا-إعلاميا…) حتى يضع عقولا مسطحة بوصلتها مصالح وسلوكها إستهلاكي لا يشدها للوطن ارض وتاريخ هوية ولا اتدرك مسؤولياتها نجاهه وهو شرط بقائها.
ثالثا: في كسر حافز الإنتماء ونشر ثقافة الإستسلام والتتبعية والقبول بالامر الواقع زد على ضرب إحدى أسلحة محاصرته ورفصه عربيا وهي المقاطعة التي اعنمدت من قبل 1948 في فلسطين وتبنتها الحكومات العربية من بعد 1948 ومارستها الجماهير وبعض الأحزاب والمنظمات إقتصاديا وثقافيا…إلى جانب سعي الكيان لتسهيل مهمة المطبعين و حمايتهم .
رابعا: احداث انقساما في الموقف العربي الرسمي من التطبيع وتسريعه مع عدة إفطار، وهجوما عنيفا على الفلسطينين خاصة بعد صمود المقاومة الوطنية الفلسطينية في ماي 2021 وعلى الجماهير التي خسرت معها معركة الوعي والتخويف وما خلفه ذلك من أثر إيجابي نفسنيا ومعناويا عربيا وحتى معناويا لذلك يمكن القول أن التطبيع هو سلاح موجه إلى العقل العربي كي تضيع بوصلة مقاومات الامة ويقفك الإرتباط النفسي والوجداني بفلسطين ويقضايا التحرر والإنعتاق ويعيق السير الطبيعي للتاريخ..
ولأن وطننا العربي بخصوصياته التاريخية والجغراسياسية يقع في قلب الهجة وقد إتخذ هذا الهجوم بعد 2011 شكل العدوان العسكري المباشر لإسقاط الأنظمة الوطنية بعنوان الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وسط صمت عن عدة حكام بل شاركوا في حصارها .
كذلك وفع الزج ببعض الأقطار في حرب أهلية وإستندت الهجمة على القومية العربية بعم الثغرات الطائفية والعرقية ومحاصرة النضالات وتغيير وجهتها تحت أقنعة مختلفة.
إن هجوم القوى المضادة للثورة يشده الخطر على الامة في ظل الإنقسام وضعف وحدة الموقف من الأعداء وإنشغال بعض الأطراف السياسية بإستثمار نضالات الجماهير وتوجيهها لتحقيق مصالح ذاتية أو حزبية وتحويل التناقض في صفوف الشعب إلى تناقض عدائي،وفي ظل تقهقر إقتصادي وإضحلال مستوى العيش وصعوبته وتفاقم البطالة.
أفضت إلى إنشغال بعض الأحزاب والمنضمات في المشاكل القطرية التي تندرج هي الأخرى ضمن مخطط الأمبريالية والصهونية لخلق هوة بين القطري والعربي وإرباكا في الرؤية فأنتجت بهوتا في المواقف وضغفا في ردود الفعل وتراجعا في إهتمام الجماهير.
أما بالنسبة للشعب أوقعوه في وهم الديمقراطية والإنتقال السلمي بخطى أدت به إلى هزة نفسية وولدت إهتزاز الثقة ونفورا بين القديم والجديد ينذر بالغنتفال من كل موروث مرجعي وكل أسوة وبإحداث شرخا وإغترابا لدى الشباب الذين إشتعلو خيبة أمال في تحقيق مطالبه التي إنتفض عفويا من أجلها وقدم تضحيات. ومن هنا في وسط الجماهير التي عمقوا فقرها وأثقلوا كاهلها وهددوا أمنها وكسروا نفوسها بتخطيط من الأعداء وضغط من الصناديق المالية وفرض برامجهم وتوجهاتهم السياسية والإقنصادية.
كما زادت أزمة الكوفيد تعقيدا للأوضاع حيث دفعت الشريحة الوسطى والضعيفة ضريبة غالية بفقدان ألاف الأرواح وخسارة موارد عيشهم إلى أن أصبحت في حالة دفاع عن القوت وبعض المكتسبات الحياتية التي لم تنجح هي الأخرى من التراجع وقرفت المشهد السياسي وباتت مهددة باليأس.
فإستفاد الكيان الصهيوني من هذه الأوضاع والاخطاء بتسريع التطبيع في محاولة لتطويق المقاومة ولكسب مزيد من التنازلات والتوسع وبالهجوم العنيف على الفلسطنين والتعتيم على جرائمه بكسر حلقة التواصل لذلك فالتطبيع يمثل إحدى حلقات التحدي التي تندرج ضمن المعارك المنوطة على عاتق كل الأحرار الوطنين لخوضها وإدراك أهميتها والمسك بأليات المقاومة .
أولا: بتأسيس قواعد نضالية جديدة تطرح أسئلة الوعي و رفض العدو و حتمية مواجهته و الإستمرارية و الإستعداد و تقدير دور الجماهير و دعم كل المبادرات الرافضة للتطبيع و المتمسكة بمركزية القضية الفلسطينية و بوحدة المصير و شخد الهمه و تحويل الشعارات إلى إنجاز فعلي و دعم القرارات القانونية لتجريم التطبيع و رصد و فضح الأنشطة و المواقف المطبعة و المطبعين و حصرهم . و إستثمار الأرضية النضالية التي كسبتها الجماهير العربية في تجربة التطوع و المقاطعة و المساندة حتى نوقظ ما خمد من روح الإبداع الوطني التي إنفجرت في عدة مخططات تاريخية ردا على جرائم الصهانية في فلسطين و رفضا لبرامج التبعية و الاستسلام و الاحتلال .
ثانيا: وضع برنامجت واضحا و واقعيا و خطط تنفيذ على المدى القريب و البعيد و البقاء على درجة عالية من اليقظة حتى لا يتسرب التطبيع إلى قطاعات مهنية و برامج التعليم و الإعلام و وسلئل التواصل الاجتماعي و تسريع و توسيع أشكال النضال القانوني مثل التي مورست من قبل بعض المنظمات و الجمعيات (أذكر على سبيل المثال جمعية قاوم = رفعت قضية لطلب إلغاء رحلتين مبرمجتين لزيارة فلسطين ، الأولى من 16/03/2015و الثانية إلى يوم 31/03/2015 و ما يعنيه هذا التاريخ و حكم بإيقاف الرحلتين و كان له وقع تاريخي أسال حبر عديد الصحف منها الشروق ، الشعب ، موقع العربي الجديد و صحيفة الأمة …
و إنطلقت حملات المطالبة بسن قانون واضح و صريح يجرم التطبيع . كما أوقفت فيلم ‘ميشال بوجناح ‘ يوم ’12/07/2017 تحت شعار “فلسطين أمانة و التطبيع خيانة “و اصطدم المحتجون مع البوليس كذلك فيلم “قضية رقم 23″يوم 21/11/2017 و فيلم “المرأة الخارقة “يوم 06/06/2017 .
ثالثا: يتحدى كل العوائق و تجاوز الأخطاء و بتحصين الجماهير و تجذير وعيها و التدرج به من الحسي و الذاتي إلى الموضوعي كي يترجم في المواقف و الأفعال بتنوع النضالات و توسعها و أدراك قيمة و دور القطع مع الإستسلام القومي و الطبقي و أن المواجهة قرار و إبداع لنيل الحرية و الكرامة و العدالة و أن التطبيع جزء لا يتجزأ من هجوم الكيان الصهيوني على الأمة .
و بما أن الكيان الصهيوني نقيض لوجودنا و الإمبريالية نقيض لتحررنا ووحدتنا و تقدمنا و راعية و داعمة للكيان الصهيوني و حامية لعملائها ، و الرجعية منفذ لإملائتها و برامجها . بما يعني ذلك أن التطبيع برنامج صهيوني – أمبريالي – رجعي ، يستهدف الوعي العربي خاصة و الإنساني عامة لضرب كل قيم التحرر و الإنعتاق و مواجهته هو إنتصار لكافة قوى التحرر العربي و العالمي و على رأسها المقاومة الوطنية و الشعبية في فلسطين .