بعد مونديال قطر، حتى لا نعود بلا أولاد عم.؟
عابد الزريعي
مدير مركز دراسات أرض فلسطين للتنمية والانتماء
لم تكن الرياضة جماعية كانت او فردية بعيدة يوما عن السياسة، وذلك على الرغم من الاعتقاد السائد بأنها ليست أكثر من متعة أو عبث ذاتي خالص. علاقة الارتباط هذه قد تكون طافية على السطح، بحيث يمكن تلمسها عن طريق الادراك المباشر، وقد تكون مخفية خلف وسائط عديدة، بما يبعث على الاعتقاد بانها غير موجودة أصلا. وارتباطا بالواقع العربي وما زخر به من قضايا وتحديات، بات الأمر أكثر وضوحا وحضورا، خاصة في ظل موجة التطبيع الزاحف الذي يريد الواقفون من خلفه الدفع به الى كل الزوايا والحنايا، ومن بينها بل وأكثرها أهمية، الميدان الرياضي، حيث باتت الملاعب ساحة للانحناء امام موجة التطبيع الزاحفة، تحت شعار السياسة سياسة والرياضة رياضة، او ساحة للمقاومة التي تتبدى من خلال قيام رياضيين عرب برفض اللعب مع لاعبين صهاينة في المنافسات الدولية، أومن خلال رايات فلسطين التي تلوح بها الايادي، وتهتف الحناجر باسمها في المدرجات الرياضية. وفي ظل هذه الأجواء جاء مونديال قطر 2022 ليعيد التأكيد على تلك العلاقة سواء عن قصد او غير قصد، الأمر الذي فرض مواكبة فكرية وعاطفية لمسارة، مازالت اصداءها تتردد حتى اللحظة. وبذلك كان المحفل الرياضي الذي تكاد الكرات الفكرية المسددة من حوله، تتساوى او تتجاوز تلك التي يتم تسديدها في الميدان، وتخضع لذات القانون الذي يحكمها بين ان تكون طائشة او صائبة، أوفي مكانها، بغض النظر ان تم صدها ام لا. هذا المقال محاولة لإعادة طرح الموضوع بالاتكاء على فكرة أدبية. ضمن ثلاثة عناوين هي: أولا: انتهى المونديال، فهل نعود بلا أولاد عم.؟ ثانيا: المفارقة بين الفريق وملك الفريق: الاكتشافات المفاجئة والمهام القادمة:
أولا: انتهى المونديال، فهل نعود بلا أولاد عم.؟
وردت ضمن مجموعة ” سداسية الأيام الستة” للراحل اميل حبيبي، التي كتبها بعد حرب الخامس من حزيران 1967 قصة بعنوان: “حين سعد مسعود بابن عمه” فقد ظل مسعود يعتقد، لمدة عشرين عاماً، انه مقطوع من شجرة، لكن بعد احتلال الضفة الغربية أثر الحرب، يأتي أبناء عمه من جنين الى الناصرة بحثا عن أقاربهم، ويكتشف مسعود ومعه الجميع ان له أبناء عم، فصار يشعر بالفخر والزهو عندما يتبختر في الشارع، وقد تشابكت يده بيد بسام ابن عمه. الشعور الجديد الذي منحه إياه حضور ابن العم جعله يتخذ موقفين. الأول عملي ومعلن، ويتمثل في التصدي لمن ينتقد الملك حسين، لأنه ملك ابن عمه. وقرر ان يقف مع ملك ابن عمه. والثاني باطني، يتمثل في التوقف عن طرح الأسئلة على اخته، وكان قد تعود ان يسألها عن كل ما يعن في باله من أسئلة. والسؤال الذي كتمه في صدره، ولم ” يجرؤ على توجيهه لأخته الفيلسوفة خوفا من لطمة كف او خناقة معها … او خوفا من شيء اخر في ذاته” هو: هل حين ينسحبون سأعود كما كنت بلا أولاد عم.؟. يهمنا في حكاية مسعود نقطتان على علاقة بالموضوع الذي نتناوله، الأولى ان هناك من رفع صورة ملك المغرب ومن هتف باسمه في حمى الفخر بالفريق المغربي، والثانية، هل نعود كما كنا بعد انتهاء المونديال.؟ فموقف مسعود المعلن، وسؤاله الباطني، وثيقا الصلة بفيض المشاعر والأفكار التي واكبت مونديال قطر، وباكتشاف علاقة الارتباط بين جماهير الامة العربية وبعضهم البعض، وبينهم وبين قضية فلسطين التي زخرت بها كثير من المقالات التي تناولت الموضوع.
ثانيا: المفارقة بين فريق المغرب وملكه:
لا يستطيع أحد الانكار ان الفريق المغربي قد وصل الى مربع الكبار في كرة القدم، بإمكاناته وكوادره الفنية الوطنية، وهذه مسألة تحسب كونها تفك عقدة الأجنبي، بكل ما يرتبط بها من مركبات نقص ودونية. كما ان تقدمه على مسار المباريات قد أتاح للجماهير العربية مساحة زمنية كافية، لتوحد مشاعرها وهتافها وتلتف حول فريق عربي تبدى وكأنه يمثل امة، إضافة الى مرافقة علم فلسطيني له في كل محطاته، وما صدر عن بعض لاعبيه من مواقف جيدة، لكنها لم تمس موضوع التطبيع. هذه القضايا لا يمكن انكارها بل يجب دعمها. لكن المفارقة ان الفريق الذي وحد وجدان الامة، من جبال طوروس الى جبال أطلس وجعلها تشعر بالفخر، ينتمي لأكثر البلدان العربية اغراقا في التطبيع مع الكيان الصهيوني العدو التاريخي للامة ذاتها. وإذا كان الفريق قد رفع علم فلسطين في مبارياته واحتفالاته، فملك البلد هو رئيس لجنة القدس التي لم يحرك ساكنا لأجلها، في الوقت الذي يتقدم بخطى سريعة وثابته في مسار التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويتبجح بانه يعمل من اجل الحقوق الفلسطينية. هذا الأمر يخلق تناقضا بينا بين رفع العلم الفلسطيني من قبل لاعبي الفريق والسياسية الرسمية للدولة، ويؤكد ان الفريق المغربي لم يكن مكلفا بمهمة على هذا المستوى. بدليل تصريحات المدرب الوطني للفريق، وتصريح نائب السفير الإسرائيلي في المغرب” ايال ديفيد” لراديو “يديعوت احرونوت”، بل وطلب أحد مستشاري الملك من اللاعبين التركيز فقط على الراية الوطنية، وكذلك محاولة اختراق الجماهير المغاربية المرافقة للمنتخب، وهو ما اشار اليه بيان المرصد المغاربي لمقاومة التطبيع. إضافة الى ذلك لم يصدر عن أي لاعب في الفريق المغربي أي موقف واضح من التطبيع. نسوق ذلك من اجل استخلاص مهمة نضالية أساسية تتلخص في ضرورة العمل الصبور والمثابر على صقل الحالة الوجدانية، وبمعنى اخر نسج العلاقة بين الحالة الوجدانية للشعوب العربية، وتعميق وعي الرياضيين العرب عموما، سواء في الرياضات الجماعية والفردية، ذلك ان المواقف المعلنة او المتخذة من قبلهم في هذا الجانب تؤثر عميقا في الجمهور العربي خاصة في أوساط الشباب. وبالنسبة للاعبي المنتخب المغربي فالمهمة باتت مهمة مطروحة امام القوى السياسية المغربية وبشكل أكثر تحديدا امام قوى مقاومة التطبيع وفي مقدمتها المرصد المغربي لمقاومة التطبيع. كما هي مهمة مطروحة على كل مقاومي التطبيع في كل البلدان العربية.
ثالثا: حتى لا تتبخر الاكتشافات المفاجئة بشكل مفاجئ:
غلبت على كثير من المقالات والتعليقات الواردة في وسائل الاعلام العربية لعديد الكتاب والمحللين والناشطين، نغمة الاكتشافات المفاجئة، بما يذكر باكتشاف مسعود بان له أبناء عمومة. وتتلخص تلك الاكتشافات التي قد تتبدى في شكل نتائج للمونديال فيما يلي: إحياء مشاعر الوحدة العربية. وكشف عن تعطش الشعوب العربية للانتصارات. والانتصار للقضية الفلسطينية واعادتها الى الواجهة، برفع أعلام فلسطين، والهتاف لها، واستقطاب تعاطف الجماهير الأجنبية التي حضرت المونديال. وتغيير انطباعات الكثير منها، بعد ان كانت متأثرة بهيمنة اللوبي الإسرائيلي على الإعلام العالمي. وتأكيد موقف الجماهير الرافض للتطبيع من خلال رفض التعامل مع الاعلام الإسرائيلي. الى القول بان المونديال أسقط التطبيع بلا رجعة، وبالضربة القاضية، وبالنتيجة فان ما بعد المونديال ليس كما قبله. تشكل هذه القضايا في جوهرها عناوين مهام مستقبلية ملقاة على عاتق مختلف القوى السياسية الحية والمنتمية وعلى كاهل مثقفي الأمة للحيثيات الاتية:
أولا: ان علاقات الافراد الوطنية والقومية موجودة بالقوة، كمشاعر ذاتية منفصلة عن بعضها البعض، لكنها تتقاطع وتتواصل في حدث صاخب مثل المونديال، ثم تعود الى مجرياتها ومساراتها الفردية والذاتية. اما ان توجد بالفعل وتتجسد في علاقات تواصل فاعل وقادر على التصدي الجماعي للتحديات، فذلك يستدعي الوعي بالذات والانتماء. وهي مسألة تحتاج الى اشتغال دائم، يمكن ان يستفيد من المحطات الصاخبة. وهي مسألة تقع على عاتق مثقفي هذا الامة.
ثانيا: ان الوعي باننا أبناء امة واحدة من الضروري ان يتقدم باتجاه وعي الامة ذاتها. ووعي الاخطار التي تهددها على الأقل في الراهن السياسي. ذلك الخطر الذي يتحدد في التطبيع بشكل واضح لأنه يستهدف كل المكونات والمرتكزات التي تقوم عليها الامة، الامر الذي يجعل من نجاحه افراغ الامة وتقويضها.
ثالثا: ذلك ان الهتاف الى فلسطين واكتشاف مشاعر الاخوة يجب ان تتوحد في نضال مستمر ضد التطبيع، من اجل حماية الامة التي اكتشفنا اننا ننتمي اليها، من الاختراق من قبل عدوها التاريخي.
رابعا: ان الارتكان الى مقولة بديهية الشعوب لن تطبع.. ومن ثم الاستنتاج ان المونديال أسقط التطبيع، لا ينتبه الى حقيقة ان الرفض الوجداني للتطبيع إذا لم يتحول الى فعل نضالي يمنع سريان العملية عل المستوى السياسي الرسمي فلا قيمة له.. لسبب بسيط.. ان الصيغ الجارية للتطبيع تكرس حقائق وارتباطات على الأرض سياسية وتربوية واقتصادية وعسكرية.. بكل ما يترتب على ذلك من ارتهان على المستوى الاستراتيجي بحيث يصعب الفكاك منه.
خاتمة
ان النتائج الاكتشافات التي قيل ان مونديال قطر قد حققها، تبقى مجرد ردود أفعال انية مرتبطة بحدث أنى ــ زمن المونديال ــــ إذا لم يتم دفعها الى الامام لتتحول الى مهمات عمل ملقاة على عاتق القوى المنتمية. خاصة وان زخم الفرح بالاكتشاف يرتهن بمدى زمني محدد، ثم يبرد تدريجيا الى ان تتلاشى حرارته. ذلك يطرح سؤال: كيف نبقى أولا د عم بالفعل وليس بالقوة التي تعبر عن نفسها في مناسبة ثم تختفي.؟