المشاركة السياسية والنضالية للمرأة الفلسطينية بين قضايا الثورة والمجتمع ــ ورقة منهجية
د. عابد الزريعي
مدير مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء
المشاركة هي المساهمة الرسمية وغير الرسمية للأفراد والجماعات في كل أنشطة المجتمع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بهدف تحقيق الصالح العام، وبما يتماشى مع قدرات ومتطلبات هؤلاء الأفراد. وتتحدد مضامين واشكال المشاركة واهدافها بواقع القضايا والمشكلات التي تواجه مجتمعا من المجتمعات. المجتمع الفلسطيني يعيش بشكل اساسي حالة اضطهاد شاملة على المستويين القومي والوطني ناتجة عن احتلال الارض وتشتيت وتشريد الانسان في ثلاث وحدات كبرى ضفة وغزة و48 وشتات بكل تفاصيله. لذلك فان المشاركة السياسية والنضالية للمرأة الفلسطينية ترتبط من حيث مضمونها العام ارتباطا وثيقا بخصوصية الحالة الفلسطينية، الامر الذي يجعل الوعي مسكونا دوما بتعدد اشكال التجربة وتمايز التفاصيل في كثير من الاحيان، على الرغم من انتظامها بالخط العام الاساس للتجربة التاريخية الفلسطينية. وكوننا نتحدث عن المرأة علينا ان نعي اننا نتحدث عن تجارب متعددة ومتنوعة.
اولا: الدور: مستويات المشاركة النضالية
وهو الفعل المترتب على الوعي والشعور بالواجب تجاه المجتمع وقضاياه. والذي تجلى في الاسهام النضالي للمرأة الفلسطينية لمواجهة الاحتلال الصهيوني. وقد تبدى هذا الاسهام في مستويين:
1 ــ المستوى السطحي للمشاركة النضالية:
جملة النشاطات المعروفة التي تقوم بها المرأة انطلاقا من ادراكها لحاجة الواقع. وتتجلى كافة النشاطات المعروفة عن المرأة الفلسطينية وغالبا ما تطغى على صورتها.
أ ــ العمل التنظيمي: عام 1921، أول منظمة نسوية وعقد أول مؤتمر نسائي في القدس عام 1929.
ب ــ العمل الجماهيري: أول نشاط للمرأة مظاهرة في العفولة ضد بناء أول مستوطنة عام 1893.
ج ــ العمل العسكري: معركة البراق عام 1929، استشهدت تسعة نساء برصاص الجيش البريطاني.
د ــ العمل الاجتماعي: نهاية عام 1967 كان ما يقارب 68 جمعية نسائية في مجال الأعمال الخيرية.
تطغى في مراحل المد الثوري ـــ تقوم بها نساء معروفات طليعيات.
2 ــ المستوى العميق للمشاركة النضالية:
الحفاظ على صيرورة القيم وتماسك المجتمع واستمراريته وعدم انهياره في مراحل التراجع. وتشترك فيه عموم النساء. لعب أسلوب عيش النساء الفلسطينيات، التواجد الدائم في المنزل ومحيطه بحكم العادات والتقاليد وضيق الفضاء في المخيم، دورا أساسيا في تنمية القدرة على الاهتمام بالتفاصيل وتذكّر الأحداث.
ثانيا: الانعكاسات
دور المرأة الفلسطينية بمستوييه السطحي والعميق كان له مجموعة من الانعكاسات فيما يخص العلاقة بالمحيط الذي تتحرك في رحابه سواء كانت العلاقة ذات طابع صراعي او توافقي او حيادي. وفي هذا السياق وجدت نفسها تتحرك ضمن ثلاثة دوائر من التحدي، تتمثل في التحدي القومي المتمثل بوقوع المرأة الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي، والتحدي الطبقي المبني على الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وتحدي التمييز في النوع الاجتماعي الممارس ضدها ضمن مجتمع تتنازعه الثقافة التقليدية والفهم الرجعي في كثير من الأحيان وتحدي الخطابات المتنازعة في مرحلة تحرر وطني. على ضوء ذلك يمكن ان نحدد انعكاسات الدور في ثلاثة مستويات:
أولا:ــ تحدي الاحتلال: وهو التحدي الرئيس الذي يستهدف المرأة على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية ويضعها دائما في دائرة الاستهداف الجسدي والمعنوي، بل ان المشروع الصهيوني كمشروع اقتلاع حضاري للشعب الفلسطيني ينطوي على شحنة حقد عالية تجاه المرأة الفلسطينية، لأنها على المستوى العميق للدور تشكل الية صد وتصدي للمشروع الصهيوني كمشروع اقتلاع حضاري أحد اسلحته التفتيت ومحو الذاكرة. فهو الذي شكل حاجزا بينها وبين المواجهة مع التحديات الاخرى. ان وعي هذا التحدي يستدعي القدرة على مواجهة خطاب العولمة الذي بات يمثل أحد نتائج الدعم الخارجي للمنظمات غير الحكومية النسوية. ويدفع باتجاه إخراج الاحتلال من دائرة اهتمام المرأة الفلسطينية وتركيز اهتمامها على قضاياها الخاصة المتعلقة بكونها جزءًا من مجتمع يوصف بالذكوري.
ثانيا: ـــ تحدي التمثيل المؤسساتي: ويتمثل في مستوى اقرار المجتمع واعترافه بأهمية الدور ومكافأته من خلال اشراك المرأة وتمثيلها في مختلف مؤسساته السياسية والتشريعية والثقافية. وهنا تجد نفسها امام نصين.
1 ــ النص القانوني: وينص على عدم التمييز ومشاركة المرأة. القوانين الدولية: تكفل الحق لكل الأفراد بالمشاركة السياسية، بغض النظر (الجنس، اللون، العرق). (اتفاقية سيداو، 1979، الدستور الفلسطيني: فقد نصت المادة (9) منه، على أن: “الفلسطينيون أمام القانون والقضاء سواء، لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس، أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي، أو الإعاقة”.
2 ـــ النص الاحصائي: جملة الاحصائيات المقدمة حول مشاركة المرأة في مختلف المؤسسات. وبغض النظر عن سلبيتها او ايجابيتها. فالسؤال الذي يطرح كم من صانعات الدور في الموقع التمثيلي. بل كم من صناع الدور المسحوقين في الجانب الاخر. سنكتشف هنا اننا في قلب الصراع الطبقي بكل ضراوته وعنفوانه. وهنا تبرز مسألة الوعي وعدم الانجرار الاعمى خلف مقولة ايصال المرأة الى موقع صناعة القرار.. فالسؤال أي امرأة.. واي قرار؟
ثالثا: ــ تحدي التقدير المجتمعي: ويتمثل في اقرار المجتمع الشعبي بكافة بناه التقليدية الاسرة العشيرة.. الخ وثقافته بدور المرأة. وفي هذا المستوى نجد الاقرار لم ينعكس بشكل شامل على تغير النظرة التقليدية للمرأة التي مازالت تتعرض لمختلف اشكال القهر. وهنا تجد نفسها في مواجهة النصوص التراثية الشفوية والعادات والتقاليد المتناقضة. التي تنضوي على مستويين في النظر الى المرأة. مع ملاحظة ان مقولات الدونية لأتأتى من الخارج بل احيانا من عناصر ثقافية نسائية، فالمرأة ليست مستهلكة لثقافة القمع بل منتجة لها ايضا. ( راجع مقالنا: الدلالات الثقافية والاجتماعية في معتقد التكهن بجنس الجنين.)
نختم: نشخص ونؤشر دون ان نغفل عن المحتل ففي خضم المواجهة تتعدل الامور.. والمقاومة صابون الشعوب التي تغسل كل ادرانها.. والتحية لحارسة النار المقدسة.