المركز

الارض و الهوية الفلسطينية

عبد الله سيلا باحث في مركز دراسات ارض فلسطين

الـــســـلام عليــــكم ورحـــمـــة الله وبركـــاتــــه.
وبـــعـــد:
فيسّرني غايَةَ السرور أن أشاركم في هذه المناسبة القيّمة بخُصوص الذكرى الخامسة والأربعين ليوم الأرض الفلسطينية، بمداخلة تحمل عنوان” الأرض والهُويّة الفلسطينية”
و في الواقع إنّ هذا السرور يرجع إلى أهمية موضوع الأرض الفلسطينية التي تكمن، من جهةٍ، في علاقة الأرض بالهوية الفلسطينية.
وإذا كانت بعض الدراسات تنفي تحديد الهوية بالأرض عامةً ، فإنّ واقع أرض فلسطين وتاريخه يشهدان على اعتبار أرض فلسطين من أهمّ مقوِّمات ومحدّدات الهوية الفلسطينية، كما سنرى مما يأتي، وعليه فالإشكالية التي يسعى هذا البحث إلى الإجابة عنها هي التالية:
ما علاقة أرض فلسطين بالهوية الفلسطينية؟ وكيف يمكن للأرض الفلسطينية أن تكون من أهمّ محدّدات الهوية الفلسطينية؟ وماهي حدود ذلك التحديد؟
تقتضي الإجابة عن تلك الإشكالية البحثَ في العناصر التالية:
المبحث الأوّل: في تحديد معنى الهوية ومحدّدات الهوية الفلسطينية.
المطلب الأول: تحديد معنى الهوية
المطلب الثاني: محدّدات الهوية الفلسطينية
المبحث الثاني: الأرض والاحتلال :تحدّيات وآفاق
المطلب الأول: تحدّيات
المطلب الثاني: آفاق.

المبحث الأوّل: في تحديد معنى الهوية ومحدّدات الهوية الفلسطينية.
المطلب الأول: تحديد معنى الهوية
أشير بدءً إلى أنّ مصطلح الهُويّة مصطلحٌ فلسفي ذو دلالة متعدّدة؛ لكن ما يهمّنا في هذا المقام هو تعريف “الهويّة” بأنّها عبارة عن« حقيقة الشيء من حيث تميّزه عن غيره» .
فعلى ذلك إنّ الهوية تحيل إلى معنى الخصوصية بما في ذلك الخصوصية الثقافية والانتماء الحضاري .
أما بخصوص القضية الفلسطينية فإنّ الهوية الفلسطينية قد طُرِحت بصدد تحديدها عِدّةُ إشكالات منها : هل تتحدّد الهوية الفلسطينية بالعامل الخارجي، وعلى رأسها الاحتلال الصهيوني؟ أم أنّ الهوية الفلسطينية تتحدّد بشكل مستقلّ عن أي عامل خارجي؟
غير أنّ ما يميل إليه الباحث في هذا السياق هو استقلالية الهوية الفلسطينية من حيث التحديد مع وجود مؤثّرات خارجية ثؤثّر في تطوّر الهوية الفلسطينية.
وهذا الحكم يؤدّي بنا إلى الحديث عن محدّدات الهوية الفلسطينية.
المطلب الثاني: محدّدات الهويّة الفلسطينية (المحدّدات الثقافية والسياسية)
يأتي على رأس محدّدات الهوية الفلسطينية المحدّد الثقافي والسياسي.
من ناحيةٍ، يمكن القول إنّه لقد أصبح الإنسان الفلسطيني تتحدّد هويّته في العالَم المعاصر بالانتماء إلى الأرض المقدّسة التي تحتلّ منزلة هامّة في نفوس المسلمين؛ ولعلّ من تجليات تلك الهوية الثقافية الدينية وقوف بعض الحركات التحرّرية الدينية السياسية ضد الاحتلال الصهيوني انطلاقا من المبادئ التي تعتبر الجهاد هو الحلّ الوحيد للقضاء على الدولة اليهودية؛ على أساس أنّ أرض فلسطين كلّها أرض إسلاميةٌ لا يجوز التنازل عن شبر منها .
غير أنّ هذا الانتماء الثقافي والديني للقضية الفلسطينية المتمثّل في الأرض المقدّسة التي تُعتبر من القواسم المشتركة لدى المسلمين ، لم يمنع من وجود خصوصيات اختصّت بها الفلسطينيون والقضيّة الفلسطينية نتيجةَ عدة عوامل سياسية منها:
الاستعمار الصهيوني، والاستيطان للأرض، والإلغاء للهوية القومية التاريخية لفلسطين وغيرها من العوامل المؤثّرة .
الواقع أنّ هذه العوامل قد أثّرت في تطوّر الهُويّة الفلسطينية ، حيث أصبح الإنسان الفلسطيني إنسانا مقاوما بالأساس ،إذ صارت المقاومة تعتبر من أهمّ محدّدات الهوية الفلسطينية؛ مع العلم أنّ هذه المقاومة بدورها قد غذّتها عدةُ تجارب تاريخية نذكر منها هزيمة النكبة 1948م ، وهزيمة حرب حزيران 1967م، بالإضافة إلى فشل التحالف العربي الفلسطيني.
هذه الأمور قد أثّرت في الهوية الفلسطينية، وقد تجلى ذلك في خصوصية مباشرة العدو على أرض الواقع.
و من جهةٍ أخرى قد نتج عن ذلك الفشل بروز الهوية الفلسطينية عبر التاريخ من خلال عدة نشاطات : منها إفساح المجال للعمل الفدائي الفلسطيني، والكفاح المسلَّح وحرب العصابات وغيرها مما أدى إلى كسب المعنوية للقضية الفلسطينية لدى حلفاء الصهاينة وعلى رأسها الأمم المتحدة .
لا شك أنّ الإنسان الفلسطيني في حاجة ماسة اليوم إلى تفعيل تلك المعنوية خلال استراتيجيات واضحة استراتيجية.

المبحث الثاني: الأرض والاحتلال :تحديات وآفاق
المطلب الأول: الهوية الفلسطينية في ظل تحديات الاستيطان والقيادة
لعلّ من أهمّ التحدّيات التي تواجه وتهدّد الهوية الفلسطينية قديما وحديثا تحدّيات الاحتلال، وتوسعة نطاقه بأرض فلسطين. فعلى سبيل المثال حسب دراسة إحصائية جديدة : 6.719 وحدة استيطانية تم بناؤها، و 12.159 أخرى جرى المصادقة عليها في العام 2020م؛ وتُفيد نفس الدراسة ،من جهة أخرى، أنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلي تستغلّ بشكل مباشر نسبة 76% من مساحة الضفة الغربية المصنفة(ج) .
إلى جانب تلك التحدّيات الخارجية هناك تحديات محلية؛ منها ما تتصل بإشكالية القيادة ؛ حيث لم تَعُد القيادة الفلسطينية تستجيب لمتطلّبات الهوية الفلسطينية ؛ الأمر الذي أثّر في مسار المقاومة الفلسطينية؛ حيث يلاحَظ تراجع متواصل للمقاومة، ومن تجليات ذلك التراجع تطوّر سياسة التسوية مع العدو الصهيوني، وإبرام الاتفاقيات التي لا يزال الشعب الفلسطيني يعاني منها نذكر منها اتفاقيات أسلو وما عقبتها من اتفاقيّاتٍ .
المطلب الثاني:آفاق :
أمام هذه التحدّيات السابقة وغيرها ، يمكن القول بضرورة وجود استراتيجيات واضحة ومتينة؛ وهذه الاستراتيجية لابد من تفعيلها خلال النظر في محدّدات الهوية الفلسطينية ، وعلى رأس تلك المحدّدات المحدّد الثقافي الديني؛ حيث إنّ للعامل الديني المتمثل في الجهاد والدفاع عن الأرض المقدّسة وما جاورها دورًا مهمًّا في تفعيل المقاومة الفلسطينية.
وعلى الصعيد السياسي لا يمكن الاستغناء عن المقاومة كأهمّ محدّد للهوية الفلسطينية؛ غير أنّ المقاومة ذاتها في حاجة إلى تنوّع استراتيجياتها وتفعيلها حسب واقع القضية الفلسطينية .
وفي هذا السياق تم اقترح أنماط جديدة للمقاومة المدنيّة إلى مرحلة جديدة من الكفاح؛ من قبيل :المقاطعة وإحياء الذاكرة والمقاومة بواسطة الفن، والمسرح والسينما، والكتابة والتعليم وغيرها من الأنماط العديدة للمقاومة .
خلاصة القول:
ما نصل إليه في نهاية هذه المداخلة ، هو أنّ العلاقة بين الأرض والهوية الفلسطينية علاقة جدلية؛ حيث كما أنّ الهوية الفلسطينية تتحدّد وتتقوّم بالأرض بما تحمله من قدسية لها مرجعية دينية اكتسب الإنسان الفلسطيني تلك القدسيةَ بِفضل الانتماء الديني والحضاري، فإنّ الأرض بدورها تتحدّد وتتقوّم بالإنسان الفلسطيني الذي يعمر هذه الأرضَ المقدّسة ويدافع عنها ويحميها عبر المقاومة المباشرة التي تحتاج إلى استراتيجية مبنيّة على أسس متينة تستمد منها قوّتها، بما في ذلك توحيد الصفوف ضد الاحتلال وما يتصل به مما يهدّد الهوية الفلسطينية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق