أعياد الميلاد والسنة الميلادية في فلسطين
” بقلم محمد بدران”
يحتفل العالم بأعياد الميلاد والسنة الميلادية الجديدة، وتقرع الاجراس في انحاء المعمورة معلنة البهجة والسرور، بينما في فلسطين تقرع أجراس الكنائس حزنا على ما يكتنف الشعب الفلسطيني من ظلم وإرهاب، وتطويق للمدن والقرى والمخيمات، واغتيال واعتقال للمواطنين، ومصادرة الأرض وقلع الأشجار وبناء المستوطنات. ويستقبل شعوب العالم قدوم العام الجديد في جو من الامن والاستقرار والطمأنينة والحرية، وفي فلسطين تغيب هذه المظاهر ويلف الشعب الفلسطيني الحزن والمعاناة والإرهاب والحصار والاغلاق وهدم المنازل، ويعمّ الحزن كل بيت على الشهداء والجرحى والمبعدين والمعتقلين الذين افتدوا وطنهم ودفاعا عن حقوق شعبهم الذي أقرته مبادئ منظمات حقوق الانسان ومئات قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة وآخره القرار الذي صدر بالأمس والذي نال 154 صوتا بأن الشعب الفلسطيني له الحق بتقرير مصيره بنفسه، وأنه صاحب السيادة على ثرواته وأرضه.
إن اتباع الذين صلبوا السيّد المسيح الذي نادى بالأمن والسلام يحاولون اليوم صلب الشعب الفلسطيني الذي مشى على طريق الجلجلة وحمل صليب قضيته ومضى مؤمنا بإنهاء الاحتلال وتحقيق أهدافه مهما بلغت التضحيات ومهما طال الزمن. إن كنيسة المهد مسقط مولد السيّد يسوع المسيح تشهد اليوم مزيدا من سقوط الشهداء والجرحى في مواجهة الاحتلال وقطعان المستوطنين الذين يحاولون يوميا تدنيس حرمة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وتهويد المقدسات وتزوير التاريخ ، ان الصلوات التي ترفع اليوم في كنائس فلسطين تدع اتباع ياسوع المسيح في اصقاع الدنيا الاهتداء بتعاليمه والعمل من اجل تصحيح تزوير التاريخ في فلسطين، ودعم نضال الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة وانهاء معناته التي تنكرت لها الكيان الصهيونية والإدارة الامريكية، وذلك منذ عهد ترومان وازتهاور اللذان عارضا عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم، وجونسون الذي دعى إلى توطينهم في البلدان العربية، وإلى كلنتون ذات الميول الصهيونية، وبوش الابن الذي كان وراء حصار الرئيس ياسر عرفات، وإلى ترامب صاحب مشروع صفقة القرن واعلانه ان القدس عاصمة للكيان الصهيوني ، كما ان الرئيس بايدن لن يكون افضلهم مع أنه نادى بحل القضية بإقامة الدولتين، ولكن هذه التصريحات ينقصها الفعل الجدي والزام العدو بتنفيذ القرارات الدولية، ان شرعية الكيان الصهيوني وأمريكيا هي شرعية الغاب ويديهما ملطخة بدماء الشعب الفلسطيني ويملأ قلبيهما الكراهية والحقد على الامتين العربية والإسلامية، ويهزءا بدعوة يسوع المسيح الذي دعى للمحبة والسلام منذ اكثر من ألفين عام، كما أنهما يشرعان من جديد بصلب ابن مريم العذراء في كل بيت فلسطيني ينشد السلام والعدل، ولا غرابة في سياسة الكيان الصهيوني إذ يعتبر أن (دولة إسرائيل ) فوق القانون والأعراف الدولية، وأن اليهود هم شعب الله المختار وان كل ما هو غير يهودي لا قيمة له كإنسان. إن هذه الأعياد يتعانق فجرها مع فجر الثورة الفلسطينية التي يسوغ مناضلوها اليوم شجاعة نادرة في مواجهة آلة الحرب الصهيونية وسلاحهم الايمان بالله، ويفتدون وطنهم بدمائهم مثلما افتدى السيّد المسيح الفدائي الأول البشرية بدمائه. فهل أدرك قادة العدو الصهيوني ان أطفال فلسطين قبل الكبار قد حملوا راية الاستشهاد من أجل تحرير وطنهم وتطهير دور العبادة من رجس الصهاينة؟ إن أبناء فلسطين قد احتضنوا قضيتهم في حدقاة عيونهم وتساوا عندم الموت والحياة ولن يغادروا أرضهم مهما بلغت قساوة ومجازر وإرهاب العدو الصهيوني ، وان دماءهم قد أنارت الطريق للتائهين والمعمية قلبوهم وعيونهم عن الحق والعدالة للشعب الفلسطيني في زمن تاهت فيه المنارات وغابت المواقف الجريئة لأنظمة سيطرت عليها جهالة عمياء وتعثرت في مسارات الدروب، يسوسها حكام يفتقدون للرؤية الصائبة من اجل مستقبل أوطانهم وملامسة حلم جماهيرهم وقد تغيرت عندهم اللغة الوطنية والقومية إلى التعقل والحكمة والهرولة نحو التطبيع بدلا من الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني ونضاله المشروع، ولقد لعنتهم شعوبهم المقهورة بالسر والعلن وشقت ثيابها ودقت بأيديها على صدورها، وجفت الدموع في مآقيها على ما يجري في فلسطين من مأسي وجرائم على ايدي الاحتلال، وقد بكت هذه الشعوب بدل الدموع الدماع على دماء الأطفال والشيوخ والنساء الذين يغتالهم العدو الصهيوني في وضح النهار وعتمة الليل على مسمع ومرأى من العالم. إن إرادة الشعب الفلسطيني ستبقى صلبة في مواجهة الموت الذي ينسل من فواهات بنادق الاحتلال وسيبقى صامدا ماردا مناضلا لتحرير ارضه ارض النبوءات والرسالات التي نادت بعدالة السماء في حين تنكرت لمبادئها السمحة الحركة الصهيونية ، والتي تريد نحر التاريخ في المكان الذي ولد فيه السيد المسيح منذ فجر التاريخ. إن الشعب الفلسطيني الذي حمل صليب قضيته ومشى في طريق الالام والمعاناة والنضال أكثر من 100 عام لن يتعب، وسيمضي في كفاحه إلى أن تضيء شموع الفرح والنصر والتحرير في كنيسية المهد، ويرتفع علم فلسطين فوق اسوار المسجد الأقصى إيذانا بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.