الواقع العربي وعضوية إسرائيل في الاتحاد الافريقي (قراءة تاريخية مختصرة)
عابد الزريعي
مدير مركز دراسات ارض فلسطين للتنمية والانتماء
تعمد المفوض العام للاتحاد الافريقي تذكير الدول المطالبة بإلغاء قراره بقبول إسرائيل كعضو مراقب في الاتحاد، بان إسرائيل لها علاقات دبلوماسية مع أكثر من ثلثي دول الاتحاد. هذا الرد المتعالي يشكل مناسبة للإجابة على سؤال: كيف بنت إسرائيل هذه العلاقات؟ وهل تم ذلك في غفلة منا؟ ام نتيجة أخطاء وخطايا وقعنا فيها منذ تأسيس دولة الكيان الصهيوني.؟ أم لدقة في التخطيط والمثابرة على التنفيذ من قبل العدو.؟ هذا المقال محاولة لرسم خطوط مسار التغلغل الإسرائيلي في القارة الافريقية منذ العام 1948 وحتى اللحظة الراهنة التي باتت تحظى فيها بعضوية مراقب في الاتحاد الافريقي. وهو مسار مضى عبر ثلاثة مراحل. تمركز وتمدد في البداية. وتقلص وانكماش في الوسط. وتمدد جديد وانتشار في الراهن. الذي يجب ان لا يكون ختاما.
أولا: المرحلة الأولى: التأسيس والتمركز:
1 ــ الإطار التاريخي: 1948 إلى 1967: أُدرجت القارة الافريقية على خارطة تفكير الحركة الصهيونية منذ انعقاد مؤتمرها الأول عام 1897 م، وبتمكنها من إقامة دولتها في فلسطين عام 1948، ارتبط تبلور الاتجاه الافريقي في السياسة الخارجية الإسرائيلية، بانعقاد مؤتمر باندونج عام 1955، وبمجموعة تغيرات شهدتها القارة تمثلت في بروز حركات التحرر الوطني، واستقلال عديد دول القارة وتشكيلها كتلة تصويت حاسمة في المحافل الدولية. وقد بنت إسرائيل سياستها على قاعدة تعزيز حضورها ومنع القوى غير الصديقة من التمركز في القارة.
2 ـــ المسارات: بدأ التسلل الإسرائيلي من غرب القارة ثم وسطها ثم شرقها. وقد دشنت علاقاتها الافريقية، بالاعتراف بها من قبل ليبيريا عام 1948. وتعمقت تلك العلاقات باعترافها بغانا عام 1957 بعد أقل من شهر من استقلالها عن بريطانيا. وفي عام 1958 أدت وزيرة خارجيتها (جولدا مائير) زيارة لغرب افريقيا، واجتمعت بقادة كلٌ من ليبيريا، وغانا، والسنغال، ونيجيريا، وكوت ديفوار. وبحلول عام 1966 صار لديها تمثيل دبلوماسي في أغلبية الدول الإفريقية جنوب الصحراء. ثم ركزت جهودها خلال الفترة من العام 1963 وحتى 1967، على منطقتي القرن الإفريقي والبحر الأحمر وذلك بالاعتماد على علاقاتها مع اثيوبيا.
3 ــ الاليات: اعتمدت إسرائيل في هذا التوسع على مجوعة اليات تمثلت سياسيا في المبادرة بالاعتراف بالدول حديثة الاستقلال وعرض المساعدات عليها. واقتصاديا وفنيا في توثيق العلاقات التجارية وعقد الشراكات مع عديد الدول وارسال الخبراء الذين بلغ عددهم أكثر من 2408 خبير يعملون في شتى المجالات، وكذلك عقد دورات تدريبية للافارقة في إسرائيل خاصة في المجال النقابي وهو الامر الذي تولاه الهستدروت. كما تمثلت الاليات على المستوى العسكري في تدريب وحدات الصفوة، وبيع الأسلحة الحديثة للدول الافريقية.
4 ــ الإنجازات: تمثلت الإنجازات الإسرائيلية على المستوى السياسي في بناء علاقات دبلوماسية مع 32 بلد أفريقي أي أكثر من نصف بلدان القارة الإفريقية. باستثناء الدول العربية والإسلامية، والمستعمرات البرتغالية. وتمكنت على المستوى العسكري من إنشاء مراكز عسكرية لها في جزر فاطمة ودهلك وحالب على الساحل الإرتيري، واحتفظت بمراكز رصد معلومات وقوات كوماندوس وقطع بحرية صغيرة على تلك الجزر.
ثانيا: المرحلة الثانية: التقلص والانكماش:
الإطار التاريخي: يتحدد الإطار التاريخي لهذه المرحلة من عام 1967، الى عام 1977. والتي شهدت مجموعة من الاحداث التاريخية على المستويين العسكري والسياسي. فقد اندلعت خلالها حربان كانت احدى الدول العربية الافريقية طرفها الرئيس، وهما حرب حزيران علم 1967، وحرب أكتوبر عام 1973. وعلى المستوى السياسي صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية عام 1975، وكذلك بروز الحركة الوطنية الفلسطينية، لتنتهي بزيارة السادات للقدس عام 1977. والتي دشنت المرحلة الثالثة.
المترتبات: انعكست حرب حزيران سلبا على الحضور الإسرائيلي في القارة. فقد قامت عديد الدول الإفريقية بقطع علاقاتها بإسرائيل. وبعد حرب أكتوبر 1973 خسرت إسرائيل معظم علاقاتها، ولم تعد تقيم علاقات الا مع خمس دول فقط وهي جنوب افريقيا والدول الأربع التي تدور في فلكها، وهي ليسوتو، ومالاوي، وسوازيلاند، وبوتسوانا.
العوامل المساعدة: تتلخص العوامل التي ساعدت على تقليص الحضور الإسرائيلي في القارة في عاملين. يتعلق الأول بموقف منظمة الوحدة الأفريقية التي طالبت بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة. واعتبرت في أيار 1973 بان رفض الجلاء عن الأراضي العربية المحتلة يعتبر اعتداء على القارة الأفريقية وتهديداً لوحدتها، وأن الدول الأعضاء في المنظمة مدعوة لأن تأخذ منفردة أو بصورة جماعية أية إجراءات سياسية واقتصادية مناسبة لصد ذلك العدوان. ودعت جميع الدول الأعضاء في المنظمة إلى فرض حظر اقتصادي على إسرائيل والبرتغال وجنوب إفريقيا، وإقامة علاقات وثيقة للتعاون بين أعضاء منظمة الوحدة الإفريقية والجامعة العربية. ويتعلق الثاني بتوجه الجامعة العربية للعمل في القارة الافريقية حيث قامت بافتتاح مكاتب في شرق وغرب القارة، وتفعيل قرارات المقاطعة العربية.
ثالثا: المرحلة الثالثة: ” العودة” الانتشار والازدهار:
1 ــ الإطار التاريخي: الفترة من 1977 ـــ 1990: الى 2022 م ويتبدى إطار هذه المرحلة في دخول الصراع العربي الإسرائيلي منعطف التسوية السلمية. بزيارة السادات للقدس عام1977، وتوقيع اتفاقيات كامب ديفيد 1979. وعقد مؤتمر مدريد للسلام. وتوقيع اتفاقيات أوسلو 1993، ووادي عربة عام 1994. ولاحقا اتفاقيات التطبيع بين دول عربية افريقية وغير افريقية، بداية من موريتانيا ثم الامارات 2020 ثم المغرب والسودان 2021 والبحرين، ومن خلال هذه الاتفاقيات بنت إسرائيل علاقات مباشرة وأصبح لها تمثيل دبلوماسي في أكثر من عاصمة عربية. وقد ترافق ذلك مع سقوط الاتحاد السوفيتي، وبروز دور الولايات المتحدة الأمريكية، التي باتت تضغط على الدول الأفريقية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. ومع اتساع دائرة التناقضات العربية والنزاعات الإقليمية، باتت الفرصة سانحة امام إسرائيل للعمل بحرية في المنطقة الإفريقية.
المترتبات: اندفعت إسرائيل، مستفيدة في ذلك من زيارة السادات، منذ العام 1977 بقيادة حزب الليكود تجاه القارة الافريقية، تحت شعار” عائدون إليك يا إفريقيا”، واتسعت دائرة علاقاتها الدبلوماسية لتشمل 48 دولة من بين 53 عدد دول القارة أي حوالي 48% من عدد بعثاتها الدبلوماسية في العالم. ومن اجل تغطية هذا الحضور لجأت الى نظام الدبلوماسيين غير المقيمين وكذلك الدبلوماسيين في الأمم المتحدة وتكثيف زيارات البرلمانيين ولاكاديميين، هذا بالإضافة لتحريك المنظمات غير الحكومية التابعة للجمعية اليهودية الأمريكية. وتمكنت خلال هذه المرحلة من بناء علاقات مع العديد من الأقطار التي كانت ليست لها صلة وروابط بإسرائيل. خاصة الدول الناطقة باللغة البرتغالية (انغولا، موزمبيق، غينيا بيساو، ومملكة ساوتومي وبرنسيب) بالإضافة لزمبابوي، ناميبيا وأرتيريا. كما حضرت اجتماع المنظمة الاقتصادية لدول غرب افريقيا، وانتهت بعضوية غير مراقبة في الاتحاد الافريقي.
رابعا: ملاحظات جوهرية:
1 ـــ لم يطرأ أي تغير على اليات التغلغل التي اعتمدت عليها اسرائيل في المرحلة الأولى، سوى في اتساع المجال، وتطور تقنيات العمل.
2 ـــ تغير الموقف الافريقي تجاه قضية عنصرية إسرائيل، ارتباطا بتوسع وانكماش علاقاتها مع دول القارة. فخلال المرحلة الأولى، عام 1958 رفض غالبية الدول المشاركة في المؤتمر الأول للبلاد الأفريقية المستقلة في أكرا؛ تأييد الاقتراح المصري الداعي الى وصف إسرائيل بالعنصرية. وخلال المرحلة الثانية، عام 1975 صوتت عشرون دولة أفريقية من غير الأعضاء في جامعة الدول العربية، ومعارضة 5 دول وامتناع 12 عن التصويت على قرار اعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية. وخلال المرحلة الثالثة عام 1991 ومثلما لعب التصويت الافريقي دورا حاسما في قرار اعتبار الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية، كان له دورا حاسما في الغاء هذا القرار.
3 ــــ بدأت إسرائيل التغلغل من غرب القارة وهي المرحلة التي شهدت زيارة جولد مائير، وعندما عادت ركزت على غرب القارة أيضا، وهي المرحلة التي دشنتها رحلات نتنياهو المتعددة. والتي كانت قد شملت اغلب بلدان القارة حيث قام عام 2016م، بجولة شملت أوغندا وإثيوبيا وكينيا ورواندا. وفي العام عام 2017م، ذهب وحضر نتنياهو اجتماع رؤساء دول الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) في ليبيريا. لتتواصل زياراته بعد ذلك في نوفمبر 2017م سافر نتنياهو إلى نيروبي لحضور حفل تنصيب الرئيس الكيني، ونتيجة لهذه الجولة، فُتحت أربع سفارات إفريقية جديدة في إسرائيل. وفي سبتمبر 2018م، قرَّر نتنياهو والرئيس الرواندي بول كإجامي بدء الرحلات الجوية المباشرة بين تل أبيب وكيغالي، وفتح بعثات دبلوماسية في كلا البلدين. وفي يناير 2019م، زار تشاد وأقامت إسرائيل علاقات مع تشاد. وفي فبراير 2020 زيارة نتنياهو لأوغندا في سياق الترويج لصفقة القرن. (حسن:11ــ7ـــ2020)
4 ــ خلال المرحلة الثالثة بنت إسرائيل علاقات مع جميع دول حركات التحرر الوطني الافريقية، على الرغم من العلاقة الوثيقة التي ربطت هذه الدول وخلال مرحلة نضالها الوطني بالقضية الفلسطينية، بل ان اغلبها كانت له مقرات ومكاتب في أكثر من دولة عربية، وهي مسألة ارتبطت بمسار الانهيار في الموقف العربي، وعدم وجود تصور واضح للتعامل مع تلك الحركات بعد انتصارها.
5 ـــ تعمل إسرائيل على توظيف اتفاقيات التطبيع الجديدة خاصة مع المغرب والسودان لتدعيم حضورها في القارة الافريقية. المر الذي يؤكد ان تقدمها داخل القارة يرتبط بالواقع والتراجع العربي. لذلك فان مقاومة التطبيع على المستوى العربي ترتبط بالضرورة بمقاومة الاختراق الإسرائيلي للقارة.