تثقيب الذاكرة: عن محمد المصري وعيسى القصريني
عابد الزريعي
كنت قد كتبت تدوينة مختصرة عما يروج له عالم المصريات وسيم السيسي حول جذور النبي صلعم التي تعود حسب رأيه الى مصر الفرعونية، وهي أطروحة تتوافق والنزعة الفرعونية المتنامية بين أوساط مصرية عديدة، وما زلنا نتذكر أطروحة زاهي حواس عن ان المصريين ليسوا عربا ولا أفارقه بل هم شعب فريد. لم يكن الحافز نابع من ردة فعل متسرعة على خبر مثير للاهتمام. وانما كانت نتيجة متابعة دقيقة لما يجري على الساحة العربية من عمليات تفتيت للوعي، وتسطيح للانتماء المتجاوز للحالة القطرية الى حالة من الانكفاء المعتمد على النبش في موروثات حضارية، يجري العمل على ان تكون معزولة عن بعضها ومتمايزة ومتناحرة وعنصرية في كثير من الأحيان، بدلا من ان تكون عامل إضافة واغناء للمشترك لتجعل منه بستانا إنسانيا حضاريا جميلا. نحن امام عملية تتنامى بالاشتغال عليها في أكثر من ساحة عربية، ليس بهدف البحث عن المعلومة التاريخية المستندة الى حقائق صلبة، وانما بهدف التزييف الفج، واختلاق الوقائع الباعثة على السخرية بالأساس. تثقيب الذاكرة هدف مباشر لتلك العمليات كخطوة لابد منها على طريق تفتيت الوعي وتذريته. وتشتغل عملية التثقيب بنفس الية اشتغال الازميل الكهربائي او التقليدي، وذلك بالتركيز على نقطة محددة في الحجر او الحديد ودفع رأس الإزميل في عمقها حتى تتذرى كل مكوناتها ليكون الثقب، الذي يغلق بعد ذلك بمادته الأصلية، وفيما يتعلق بالذاكرة فالتركيز يتم على بديهيات السرديات التاريخية ونقبها بشكل متوالي، حتى تنخيل الذاكرة، لتصير في وضعية لا يثبت فيها شيء يمكن الارتكاز اليه في تحديد وجود الانسان. وإذا كان التزييف هو زيت التشغيل، فان الاتهام بالتحجر وعدم اخضاع كل شيء للبحث والتقصي، هو ملزمة الإمساك بالرأس وضبطه حتى يبقى ثابتا ومتقبلا باستسلام لعملية التثقيب الجارية. يتكشف الهدف من هذه العملية بربطها بالشرط التاريخي، اللحظة التاريخية التي يتمادى فيها المشروع الامبريالي في تفتيت المنطقة وإعادة مكوناتها الى اضيق عرقياتها، لذلك يصبح السؤال عن هدف البحث التاريخي امرا مشروعا، هل هو التركيز على عناصر التوحيد ام التفتيت.؟ الإجابة على السؤال بمصداقية تكشف الأهداف الكامنة، بل وتضع البحث في سياقه لنا ام علينا. نقدم انموذجا لعملية التثقيب من خلال الصورة المرفقة، وهي مأخوذة عن صفحة الصديق محمد بوعود كان قد نشرها، باستغراب ينطوي على حد عال من السخرية المؤلمة، لاسيما وأنها معنونه حسب الصورة باسم المعهد الوطني للتراث المؤسسة التونسية العريقة، وموثقة باسم الباحث التونسي محمد علام العسكري. اما بالنسبة للمعلومات الواردة فهي مجموعة تسميات ووقائع على خط سير يؤكد ان السيد المسيح ليس فلسطينيا، بدليل ان كل الأماكن التي شهدت ولادته وسيره على طريق الالام ليس لها علاقة بفلسطين، وانما هي تونسية تقع في القصرين وبعضها جزائرية، وللمرء ان يستنتج ما يريد. تتبدى المسألة الأساسية ليس في دحض مثل هذه الاطروحات، وانما في تحول الجدل الدائر حول الموضوع نفيا او اثباتا الى ازميل تثقيب للذاكرة، بكل ما يرافق ذلك من ادعائية واستذة واستهزاء لينتهي الأمر بإدراج كل المواضيع في سياق النفي. فالأقصى الذي نعرفه ليس هو الأقصى، والقدس ليست هي القدس، والمسيح لم يولد ولم يمشي على طريق الالام في فلسطين..