ثالوث الفاشية: بين جراح التاريخ النازفة ومعجزات الانبياء الكذبة
أغسطس 5, 2019
617 2 دقائق
مستويات العلاقة بين الفاشيات تتمثل اول الملاحظات الملفتة للانتباه في انكار العلاقة بين القوى الثلاثة وكم السباب الذي تكليه كل حركة للأخرى، فنجد النازية ترفع شعار المعاداة لليهود الى حدوده القصوى، والصهيونية لاتكاد تتوقف عن الكيل للنازية بمكيال الحقد والكرة حتى تكاد كل بضاعتها وعوامل نجاحها تعود الى هذا السبب، بينما لا تتوانى الجهادية الوظيفية عن صب اللعنات على”اليهود وعباد الصليب” ولا ننسى ان النازيين هم من عباد الصليب. كل ذلك يبعث على الاعتقاد باستحالة العلاقة بين الحركات الثلاثة سواء على المستوى الفكري او العملي. ولعدم الوقوع في شرك الخلاف المستحكم بين هذه القوى كان لابد من الذهاب في التحليل الى مستويين: اولا : المستوى الايديولجي : الذي يستدعي النظر الى الحركات الثلاثة “الحركة الصهيونية والنازية وجماعات الجهاد الوظيفي” بوصفها حركات مذهبية. لكل منها منظومتها الخاصة من التصورات والمعتقدات التي تكشف عن نظرتها للكون والحياة. وقياسا للنازية تتميز كل من الصهيونية والجماعات الجهادية بالاستناد الى الدين في تبرير وجودهما سواء كان ذلك بشكل غير مباشر بالنسبة للصهيونية؛ وذلك يعود الى تعدد اتجاهاتها وفروعها.او بشكل سافر ووحيد بالنسبة للجماعات الجهادية الوظيفية. ثانيا: المستوى التظيمي والسياسي : الذي يتجسد في البنية التنظيمية والبرنامج السياسي والممارسة العملية من اجل تحقيق اهدافها وشعاراتها المتمثلة في بناء سلطتها السياسية. التي تمكنت النازية من تحقيقها خلال الفترة من 1933 ـ 1945 ، والحركة الصهيونية منذ العام 1948 ـ ؟ بينما تمكن احد الجماعات الوظيفية ممثلا في ” داعش” من الادعاء ببناء دولته الخاصة، فيما بقيت مختلف تلك الجماعات في مرحلة السعي للوصول الى ذلك الهدف. أخذين بعين الاعتبار تميز الصهيونية عن النازية اولا بانها متشعبة بفروعها ومنظماتها واتجاهاتها الفكرية وثانيا بان قاعدتها لا تحدها حدود دولية او قومية معينة. وهو الامر الذي تلتقي فيه مع جماعات الجهاد الوظيفي التي تنتشر بصيغة مخترقة للحدود وتعيش حالة تعدد ” فكري ” بين اجنحتها بصيغة تقترب من الحركة الصهيونية. بينما بقيت النازية محكومة بحدود الدولة الالمانية. ( يفسييف 1977 ــــــ 17 ) في بنيتها ووجودها الاساسي. ولم تبدأ بذورها تنتشر الا في بلدان اوروبا الشرقية خلال فترة الغزو النازي، بحكم التاثر وليس بحكم توفر الرغبة التبشيرية لدى القيادة النازية. لتتجدد بعد ذلك في القوى الفاشية الجديدة في ظروف معينة ومحددة. يترتب على هذين المستويين وجوب النظر الى تلك الحركات من مستويين كذلك. يرتبط الاول بالجانب الايديولجي ويتجسد في مستوى البنية العميقة المتمثلة في رؤية الأنا الصهيونية والنازية والجهادية الوظيفية لذاتها ولغيرها او”الآخر” الذي يخالفها.بينما يرتبط الثاني بالمستوى التنظيمي ـــ السياسي ويتجسد في مستوى البنية السطحية التي تتجسد في تعامل الأنا الصهيونية والنازية والجهادية الوظيفية مع ذلك الآخر خلال الصراع والحركة السياسية اليومية في صيغتها المباشرة أي خلال الممارسة العملية. وفي العلاقة بين البنيتين تقوم البنية العميقة بدور العامل الثابت الذي يقوم بعملية انتاج متواصلة ومتقطعة للبنية السطحية المتجسدة في الممارسة العملية بكل ما يترتب علي ذلك من سمات. لذلك فان أي عملية ركود على مستوى البنية السطحية ليست سوى حالة مؤقتة قابلة لإعادة التمظهر في اية لحظة، لاسيما وان العامل المولد ” البنية العميقة ” عامل دائم الفعل والوجود. فإذا كانت العلاقة في مستواها العملي بين الصهيونية كحركة والنازية هي نتاج اشتغال مبادئ البنية العميقة، فان عملية المقارنة سواء من حيث الاتفاق او الاختلاف بين الحركات الثلاثة تكمن في جوهرها في مقارنة مبادئ البنية العميقة لكل منها، وإذا ما تشابهت تلك المبادئ فان توافق الممارسات او استفادة الاطراف من بعضها تصبح مسألة بديهية. ملاحظات ضابطة اولا : ان الحركات الثلاثة لم تكن في جوهرها الا حركات معادية لمن تدعي تمثيلهم والدفاع عن مصالحهم. فالصهيونية ليست في نهاية المطاف الا حركة معادية لليهود على الرغم من ادعائها انها تشكل استمرارا وامتدادا لليهودية. ولم تكن الا معبرة عن مصالح البرجوازية اليهودية العليا ورأس المال المالي اليهودي. والنازية حركة معادية لمصالح الشعب الالماني ومعبرة عن مصالح البرجوازية الالمانية العليا التي قادت في نهاية الامر الى تدمير المانيا في الحرب الثانة بدلا من تخليصها من نتائج الحرب الاولى. ولم يدفع النتائج ويتحمل كوارث الحربين الا الشعب الالماني.والجهادية الوظيفية معادية لجماهير المسلمين عامة. وخاصة أهل السنة التي تدعي تمثيلهم. وكل ممارساتها تصب في خدمة قوى استعمارية ومصالح الطبقات الرجعية الخليجية وقوى التبعية.