مقالات و دراسات

                 75 عاماً على نكبة فلسطين            

بقلم الاستاذ محمد بدران

تمرّ الذكرى 75 لنكبة فلسطينية التي يذكرها الشعب الفلسطيني بكل مرارة ويتجرع علقم التشريد واغتصاب الأرض من قبل عصابات صهيونية مازالت ترتكب القتل والتدمير والاعتقال ومصادرة الأراضي وتهويد وتدنيس المقدسات، وحرق المزروعات وقلع الأشجار، متجاهلة القرارات الدولية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، ولا يردعها مبادئ إنسانية ولا شرائع سماوية، إن هذا الكيان الصهيوني بني على أسس ظالمة بدعم استعماري من حكومة بريطانيا التي أنتدبت على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى عام 1921 وهيآت لهم وساعدت لقيام هذا الكيان بناء على وعدها وعد بلفور المشؤوم الصادر عام 1917 والذي ينص على منح اليهود في فلسطين وطنا قوميا، وقد فتحت آنذاك أبواب فلسطين على مصراعيها لهجرة اليهود إليها حيث ارتفع تعدادهم من 56 ألف عــام 1917 و إلى 560 ألف عام 1947 كما ارتفعت نسبة ما يملكونه من الأرض من 2 % إلى 6% في نفس الفترة وقد فرضت حكومة الانتداب القوانين الجائرة على عرب فلسطين، وعندما نشبت المواجهات بين العرب واليهود في فلسطين وجهت بريطانيا عدّة لجان لدراسة الوضع وتقديم الحلول منها لجنة بيل وودهيل واقترحت هذه اللجان تقسيم فلسطينية إلى دولتين عربية ويهودية ومنهما استقلالا ذاتيا وابقائهما تحت سلطة المندوب السامي، وعندما رفض هذا الاقتراح وجهت الأمم المتحدة لجنة الانكلو- أمريكية إلى فلسطين لدراسة الوضع   من جديد وتقديم الحل، وبناء على اقتراح اللجنة أصدرت الأمم المتحدة قرارها رقم 181 بتقسيم فلسطين لدولتين على أن تمنح الدولة اليهودية 56 % من الأرض والدولة الفلسطينية 43 % وتدويل مدينة القدس وضواحيها بنسبة 5 % وقد رفض الشعب الفلسطيني هذا القرار الجائر، وهب يقاتل من أجل أرضه.

وقد عقدت الجامعة العربية اجتماعاتها آنذاك لدارسة الوضع الخطير في مدينة بلودان السورية وفي مدينتي عالية وصوفر في لبنان وتقرر تشكيل جيش عربي نظامي بقيادة الملك عبد الله ملك الأردن ليأخذ دوره في معركة تحرير فلسطين إلى جانب متطوعي جيش الأنقاذ الذي   يقوده فوزي القاوقجي، وقد اجتاحت طلائع الجيش العربي عمق فلسطين فوصل الجيش العراقي بقيادة عبد السلام عارف إلى أطراف مرج ابن عامر وجنين، وتقدّم الجيش المصري بقيادة جمال عبد الناصر فوصل إلى مشارف تل أبيب، وقد حوصر في الفالوجة ودخلت القوات الأردنية بقيادة عبد الله التل إلى القدس وضواحيها، واندفعت قوات سورية بقيادة أديب الشيشكلي وقوات لبنانية بقيادة فؤاد شهاب ومحمد زغيب وحنا الحلو ووصلت هذه القوات إلى عمق الجليل الشمالي وسهل الحولة، وتقاطر المتطوعون من بلدان المغرب العربي وبالأخص من تونس مشيا على الأقدام للجهاد في فلسطين وقد بلغ إجمال تعداد القوات العربية 17 ألف مقاتل واسلحتهم تقليدية وذخائر غير سليمة مقابل 67 ألف مقاتل من العصابات الصهيونية مسلحين ومدربين بأحدث الأسلحة واحسن تدريب ومدعومين من قوات الانتداب البريطاني، وقد كادت القوات العربية تفشل المشروع الصهيوني لو لا تحيّز قوات الانتداب البريطاني وضعف الدول العربية السبع حديثة الاستقلال وتواطئ بعض القيادات العربية مع الحركة الصهيونية ، وقد خاضع الشعب الفلسطيني مواجهته مع الأعداء من خلال جيش الجهاد المقدس الذي قاده القائد الشهيد المرحوم عبد القادر الحسيني الذي استشهد في معركة القسطل والفصائل الفلسطينية المقاتلة المجاهدة التي قادها قادة أبطال منهم الشهيد حسن سلامة وإبراهيم أبو ديّة، وعندما أعلنت بريطانية انسحابها من فلسطين ليلة 14 /05/1948 أعلن الصهاينة عن قيام كيانهم يوم 14/05/1948 وقد اعترفت بهذا الكيان مباشرة كل من أمريكيا والاتحاد السوفيتي وفيما بعد الأمم المتحدة بشرط قيام دولة فلسطين المستقلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم وأراضيهم حسب القرار الذي اتخذ رقم 194 ، وقد حلت النكبة وتشرد الشعب الفلسطيني من أرضه واحتل الصهاينة 21 ألف كلم2 من مساحة فلسطين البالغة 27 ألف كلم2 وبقيت الضفة الغربية التي ضمت إلى أرض الاردن وقطاع غزة الذي ضم إلى الحكومة المصرية إلى أن تم احتلالهما عام 1967 ، وبحلول النكبة سقطت ملكيات وتغيرت قيادات أنظمة عربية  ، واقترف العدو مجازر دير ياسين وقبية ونحالية وكفر قاسم وغيرهم ، ولقد قال مناحم بيقن الصهيوني لولا مذبحة دير ياسين لما قامت (إسرائيل ) ثم قال مساعد هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية عندما زار فلسطين عام 1897 أن أرض فلسطين لا تسع لشعبين وعلينا استعمال السيف لطرد العرب من أرض إسرائيل ودأب أحفاد الصهاينة لإقتراف مجارهم وإرهابهم فحرقوا المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والحرم الابراهيمي، وادعت غولدا مائير بقولها: إن الشعب الفلسطيني سينقرض من الوجود وأن الكبار سيموتون والصغار سينسون وإن فلسطين أرض بلاد شعب لشعب بلا أرض وقد أثبت الشعب الفلسطيني أنه موجود وقد فجر ثورته وانتفاضاته في وجه الاحتلال وأن الصغار يناضلون ويستشهدون قبل الكبار وأن تعداد الشعب الفلسطيني قد تجاوز 14 مليون نسمة ، ولم ينقرض من الوجود، إن الدم الفلسطيني قد هدم جدار الصمت العالمي عما يجري في فلسطين وانقشعت عن أعين الشعوب الدعاية المضللة للحركة الصهيونية، وانطلقت تندد بالاحتلال وعنصريته وارهابه وتدعم حقوق الشعب الفلسطيني، وإن أبناء فلسطين احتضنوا ثبواتهم الوطنية في حدقات عيونهم وفي قلوبهم وحملوا أرواحهم على أكفهم لمواجهة الاحتلال وزادوا شموخا وتألقا في كل معركة وثورة وانتفاضة،  ويرفضون كل أشكال الحلول التي لا تلبي طموحاتهم وإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة وعودة اللاجئين إلى ديارهم، ولن يبقى هذا الشعب مطلوبا منه الهدوء والتعقل والعدو الصهيوني يمعن تقتيلا ودمارا لهذا الشعب، وأمام ما يجري في فلسطين وفي ذكرى النكبة لا يقبل من أي نظام عربي وإطار شعبي أي تبرير للتقاعد عن تأدية وجابه القومي لدعم نضال الشعب الفلسطيني، وليس مقبولا أن تبقى الدموع منهمرة في مآقي الثكالى ونساء فلسطين يتشحن بالسواد، بينما الصهاينة ينعمون في بيوت ليست بيوتهم وأرضا ليست أرضهم، وليس مقبولا أن تبقى أبواب الوطن العربي مشرعة للأجنبي لنهب خيراته واستعباد مواطنيه تحت حجة واهية، إن الذي يهرب ويتبرأ من نصرة فلسطين لا يمكن ان ينتصر لقضايا شعبه، والذي يخاف من خطر الأعداء ومن سيّد البيت الأبيض لا يحق له أن يتربع على سدّة الحكم والساكت عن ظلم الشعب الفلسطيني وما يقوم به العدو الصهيوني في فلسطين هو شيطان أخرس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق