مقالات و دراسات

نحو تعزيز الاسناد السياسي والجماهيري للأسرى في سجون الاحتلال

وائل الزريعي

معركة تحرير الأسرى، هي جزء لا يتجزأ من الحرب التي يخوضها الشعب الفلسطيني، ضد الاحتلال الصهيوني في سبيل تحرير الأرض والإنسان. ففي هذه اللحظة يقبع أكثر من 4000 أسير في سجون الاحتلال الصهيوني، بين طفل وامرأة وشاب وشيخ. كل منهم يمثل قصة، من قصص نضال الشعب الفلسطيني وصموده، في مواجهة الظلم والعدوان. عند النظر إلى هذه القصص تحت المجهر الإنساني، سنشاهد بشاعة العالم الذي نعيش فيه، وعجز المؤسسات الفلسطينية عن الدفاع عن هذه الفئة، والتي ضحت بحريتها، في سبيل الوطن.

السؤال الذي يتبادر إلى الاذهان، هو لماذا لم يستطع السياسي الفلسطيني أن يخلق تضامن دولي حقيقي مع قضية الأسرى، ومنهم من استشهد مضربا عن الطعام كالشيخ خضر عدنان، ومن ينهش السرطان جسده كالمناضل وليد دقة، ومن يبتزها الاحتلال في أوجاعها كإسراء جعابيص، وطفل يدفعه الاحتلال إلى حافة الجنون كأحمد مناصرة؟

تكمن الإشكالية الأساسية في تعريف وضعية الفلسطيني في سجون الاحتلال، وهي الوضعية التي ترتكز عليها آلة القمع الصهيونية للهروب من المساءلة الدولية، فالمؤسسة العقابية الصهيونية إما تضع الأسير الفلسطيني، تحت طائلة الاعتقال الإداري، أو تصنفه كسجين أمنى، وهو تعريف لا يوجد ما يقابله في القوانين والاتفاقيات الدولية كاتفاقية جنيف الثالثة والرابعة. لذلك، فإن التحدي الأول سياسيا وقانونيا، هو في إلزام المجتمع الدولي بتعريف لوضعية الفلسطيني، في سجون الاحتلال باعتباره مناضل في سبيل قضية تحرر، في مقابل كيان محتل. أيضا من الأخطاء في التعامل مع قضية الاسرى، هو عدم أنسنة قضية الأسرى والتعامل مع القضية، كأرقام واحصائيات، فالحديث هو دائما عن أرقام، عن رقم كذا من الأطفال، وكذا من النساء، وكذا من الرجال، متناسين أن كل أسير في سجون الاحتلال، هو قصة إنسانية تروى على حدا. كذلك لا يمكن الدفاع بشكل حقيقي عن الأسرى، في غياب كادر فلسطيني مؤهل لمخاطبة الرأي العام العالمي، بعيدا عن الصراخ والاستجداء، في مواجهة قوة الدعاية الصهيونية وسيطرتها على الإعلام العالمي. وهي دعاية عملت لسنوات وسنوات وحتى قبل قيام الاحتلال، لتشكيل الوجدان الغربي، وتجييشه، في خدمة المشروع الصهيوني، حيث نجحت هذه الدعاية في تصدير صورة تصف كل عمل نضالي فلسطيني كإرهاب يهدد واحة الديموقراطية.

تحديث أدوات الدفاع عن الأسرى يتطلب بالضرورة ضبط المصطلحات، حتى يعرف العالم عن من نتحدث وعن من ندافع، وذلك في مواجهة نظام ارهابي يعرف طفل يبلغ من العمر 10 سنوات كسجين امني.

رغم هيمنة الدعاية الصهيونية على الرأي العام الغربي، لكن ذلك لا يمنع من احداث اختراقات في مواجهة هذه الآلة الدعائية، هذه الاختراقات لن تكون إلا من خلال أنسنة قضية الأسرى ومخاطبة العالم، من خلال القصص الفردية، وعرض المعاناة الجماعية والفردية للأسرى، والتركيز على الفئات الأكثر هشاشة كالمرضى والأطفال والنساء. هناك ضرورة لمخاطبة العالم بلغة تعكس معاناة الأسرى وأسرهم، لكن يجب أن نحكي قصة كل أسير على حدا، لأنه يستحق أن نسمع صوته كإنسان مسلوب الحرية، ولأن مقارعة الاحتلال على الأرض، هي حرب مستمرة، فهناك ضرورة للعمل على تكوين كادر فلسطيني مؤهل قانونيا وعلميا، لمواجهة الاحتلال وفضح جرائمه في المحافل الدولية، من خلال استعراض وضعية الأسير الفلسطيني، على كافة الأصعدة. هذا الكادر لن يستطيع القيام بمهمته، بدون تسليحه بدراسات رصينة حول وضعية الأسرى.

علينا أن نخوض الحرب مع الاحتلال معركة بمعركة، وصولا إلى الحاق الهزيمة النهائية، وهذا يتطلب الاشتغال على ملفات محددة، فأبرز الملفات التي يمكن العمل عليها، هي الوضعية الصحية للأسرى داخل السجون، وكيف حولها الاحتلال لأداة ابتزاز للأسرى، ابتزاز يمكن وصفه بالإرهاب الصحي.

هناك ضرورة لتعريف العالم بالظروف القمعية التي يعاني منها الأسير في سجون الاحتلال، بداية من ظروف الاحتجاز غير الإنسانية ومخالفتها للقوانين والاتفاقيات الدولية، وذلك في المؤسسات العقابية المعترف بها من قبل الاحتلال، والتي أنشئت أو ورثها الاحتلال الصهيوني عن الانتداب البريطاني، إلى السجون السریة، التي لا یعترف الاحتلال بوجودها ویتم فیھا استخدام أبشع انواع التنكیل بالأسرى، بالإضافة لاستخدام الاسرى لأجراء التجارب على السموم والأدوية.

إن قائمة الانتهاكات الصحية للاحتلال لا تعد ولا تحصى، ومنها الإهمال الصحي المتكرر والمماطلة في تقديم العلاج وحرمان الأسرى ذوي الأمراض المزمنة من أدویتھم، والامتناع عن إجراء العمليات الجراحية للأسرى، وكذلك عدم توفير الأجهزة الطبیة المساعدة لذوي الاحتياجات الخاصة، ونقل الأسرى المرضى إلى المستشفيات، وھم مكبلو الأیدي والأرجل، كنوع من أنواع العقاب. كذلك الإجراءات العقابية كاستخدام العنف والاعتداء على الأسرى، بما فیھم المرضى، وزج الأسرى في زنازين العزل الانفرادي كما يحدث للمناضل وائل الجاغوب، وكذلك إجبار الأسرى على خلع ملابسھم بطریقة مھینة.

هناك ضرورة لإبراز الممارسات ضد المرأة الاسيرة في السجون، والتي تتعرض لممارسات لا تراعي ظروفها الصحية وتصل لإجبار الأسيرات الحوامل على الولادة، وھن مقیدات الأیدي، دون الاكتراث لمعاناتهن، كما یعاني الأطفال في السجون والمعتقلات من ظروف احتجاز غیر إنسانية، تتنافى مع جميع الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الأطفال. جميع هذه الانتهاكات، هناك حاجة لإلقاء الضوء عليها ومخاطبة المؤسسات الدولية المعنية، هناك ضرورة ملحة لتحميل المؤسسات الدولية مسؤولياتها والتركيز على مخاطبة مؤسسات بعينها، دون نسيان الدور المتنامي للمجتمع المدني، كألية ضغط، على الدول المتماهية مع الاحتلال.

في النهاية الأكيد أن الحركة الأسيرة قد نجحت، في مقارعة الاحتلال داخل السجون، وفرض إرادتها وتحقيق العديد من الانتصارات، على آلة القمع الصهيونية، لكن هذه المواجهة التي يخوضها أسرانا في السجون تتطلب كافة أشكال الاسناد السياسي والجماهيري، لأن كل لحظة تمر على الأسير، هي سنوات من القهر. إن هذه المعركة لكي ننتصر فيها يجب أن تخاض، بأدوات أكثر فاعلية، حتى الاجهاز على هذا المشروع الصهيوني وتحرير الأرض والإنسان من دنس الاحتلال.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق