سياسة الكيان الصهيوني تجاه النقب
د. وائل الزريعي
مدخل:
حسب إحصاء الانتداب البريطاني بلغ عدد السكان البدو في فلسطين عام 1931 نحو 150 ألف نسمة، يتوزعون على ثلاث مناطق هي الشمال الوسط والجنوب، حيث كانت تسكن أغلبيتهم، خصوصا في منطقة بئر السبع المدينة الأكبر في صحراء النقب. انخفض عدد السكان بعد النكبة إلى نحو 18 ألف نسمة فمنذ عام 1948 تم تشريد معظم بدو النقب من بيوتهم وأراضيهم ، فلجأت أعداد كبيرة منهم إلى الضفة الغربية وشرقي الأردن وإلى قطاع غزة وشبة جزيرة سيناء. كان تعداد سكان عرب النقب أكثر من 000 66 نسمه ولكن بعد موجات التهجير والتشريد والتي بدأت منذ النكبة لم يبقي سوي 11000 نسمة. في الفترة ما بين 1950- 1953 قامت سلطات الاحتلال بترحيل اثنتي عشرة قبيلة من الجزء الشمالي الغربي من النقب إلى ما عرف لاحقا بالمنطقة المغلقة فيما يشبه محميات الهنود الحمر.
عام 1976 قامت سلطات الاحتلال بتشكيل ما عرف بالدوريات الخضراء عندما كان أريل شارون وزيرا للزراعة والتي بدأت بملاحقة عرب النقب وهدم بيوتهم وطردهم من أراضيهم بحجة المحافظة على البيئة، بالإضافة إلي الاستيلاء على مواشيهم ومصادرتها تحت ذريعة الرعاية “في أراضي الدولة” أو دخولها ” المحميات الطبيعية” ، أسفرت هذه العمليات ,حسب بيان صدر عن سلطات الاحتلال بتاريخ 27/12/1982 عن طرد 800 أسرة بدوية من أراضيها وانتزاع سبعة ملايين دونم من أصحابها العرب خلال خمس سنوات ، مم أدي إلي انخفاض الثروة الحيوانية خلال سنتين من 250 ألف رأس إلى 80 ألف رأس ماشية.
اقترنت عمليات التهجير بمصادرات واسعة للأراضي ، حيث كان البدو يملكون أكثر من ستة ملايين دونم قبل عام 48 ، منها 2.3 مليون دونم ارض زراعية لشتي أنواع المحاصيل والموالح ، وبعد الاحتلال تم مصادرة أكثر من مليون دونم سجلت ضمن أملاك دائرة التطوير في إسرائيل بعد إجلاء سكانها عنها ، وبعد سلسلة من المصادرات لم يتبق لعرب النقب سوى 1.2 مليون دونم ، ولم تعترف السلطات الإسرائيلية إلا بملكية نصف هذه المساحة لبدو النقب أي ما يقارب 600 ألف دونم فقط ، وهي تعمل الآن علي تجريدهم مما تبقي لهم عن طريق حصرهم في سبعة نقاط تجمع تحت مسمي توطين البدو .
وقد كانت عواقب هذا التجميع القسري جمة في ما يتعلق بملكية الأرض، فقد أصبح ثلثا بدو النقب بلا أرض، بعد أن تم نقلهم من منطقة الأراضي الخصبة، غربي بئر السبع إلى منطقة الأراضي شبه الصحراوية في المنطقة المغلقة. أما الثلث الباقي منهم، والذي كان مقيما في الأساس بالمنطقة «المغلقة». فلم يسلم أيضا من سياسة نزع الأراضي
بعد إن قامت سلطات الاحتلال بتدمير اقتصاد المنطقة ( زراعة الأرض وتربية المواشي )، وبعد أن نجحت منذ السبعينات في توطين عرب النقب في داخل سبع نقاط تجمع قسرية أكبرها مدينة رهط التي يزيد عدد سكانها الآن 30000 نسمه ، تحاول الآن السلطات الإسرائيلية زج ما تبقي من عرب النقب في مدن توطين تنقصها كل المقومات الاقتصادية وأماكن العمل , مما أدي إلي معاناة عرب النقب من الفقر والبطالة ( 50% تحت خط الفقر) ،و الهدف هو أن يصبح البدو في الجنوب والذين يقطنون المُجمعات السكنية السبعة, القوة العاملة في الخدمات العامة في مدن الاحتلال وذلك طبقا لخطة لواء الجنوب عام 1966
في منطقة النقب سيناريو النكبة يتكرر كل يوم و أخر مسارحه قرية العراقيب، قرية فلسطينية تقع في شمال مدينة بئر السبع في صحراء النقب جنوب فلسطين تبلغ مساحة القرية حسب التقديرات حوالي 100 ألف دونم ويعيش فيها قرابة 700 شخص، تشكل الأغنام والمواشي مصدر رزقهم الوحيد، نتيجة لطبيعة الأرض الصحراوية التي تفتقر إلى جميع الخدمات المختلفة، كما يعيش المواطنون ببيوت من الصفيح، وآخرى عبارة عن خيام. تعد القرية واحدة من 45 قرية عربية في النقب لا تعترف بها إسرائيل.
تعرضت القرية إلى عمليات هدم متتالية و تم مؤخرا هدم القرية بشكل كامل من قبل الجرافات الإسرائيلية،و لم يكتفي الكيان الصهيوني بهدم منازل وخيام أهالي القرية، بل قام كذلك بمصادرة جميع محتويات البيوت قبل هدمها بما في ذلك السيارات وصهاريج المياه رغم حرارة الصيف في صحراء النقب.
تقوم سياسة سلطات الاحتلال الصهيوني على أساس تفريغ النقب من سكانه البدو، بتضييق سبل العيش أمامهم، بهدف مصادرة أكبر مساحة ممكنة من أملاكهم ومراعيهم، والحد من انتشارهم وتنقلهم.
في النهاية فإن سياسات الكيان الصهيوني تجاه أرضنا العزيزة, من القدس إلى الضفة إلى النقب هي سياسات تتم وفق برنامج استيطاني يهدف لتغيير و تزييف الواقع على الأرض يوما بعد يوم مما يطيل من عمر هذا الكيان.